مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
الحدث

مع ذكرى وفاة آخر عمالقة الزمن الجميل:سماحة شيخنا عبد الرحمن شيبان.. ذكريات ومواقف..!/الشيخ كمال أبوسنة

CHIBANE“يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنصر الترابي الذي يرجع إلى أصله، وتبقى معانيهم الحية في الأرض قوة تحرك، ورابطة تجمع، ونورا يهدي”.
الإمام محمد البشير الإبراهيمي

سنتان كاملتان مرَّتا على وفاة سماحة شيخنا عبد الرحمن شيبان –رحمه الله- رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الذي غاب جسده عنا وبقي نهجه وأثره عمرا آخر له يحيا بهما بين الناس ما دامت السموات والأرض، وصدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها
فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
ففي صباح يوم الجمعة 12 أوت 2011 ترجّل الفارس وارتحل، وما أرغمته قبل ذلك أكثر من تسعين حجة على السكون والراحة، والبروز في مقدمة الصفوف نصرة للدين والوطن في الساحة…مات وما فات من قدّم للأمة الحياة، وعاش شابا للخير جنديا رائدا، وقضى نحبه راشدا قائدا…إنه العَلَم الـمَعْلَم، والعالِمُ العَالَم، الذي كان شيخا جليلا هَرِما، وفي بذله وعطائه شابا سليلا هَرَما…
عجبا لأربع أذرع في خمسة
في جوفها جبل أشم كبير
لقد رحل عنا في شهر كريم، وفي يوم كريم، شيخ عظيم، صنع مع المخلصين أمجادا، وترك خلفه على النهج أولادا، بعد أن نذر ما في بطن جمعية العلماء محررا لله، فتقبلهم بفضله في عُلاه، ليكونوا خداما لرسالة نبيه ومصطفاه…
ولعمر الحق لقد كان سماحة شيخنا عبد الرحمن شيبان –يشهد الله- العملاق الذي لا يهدأ ولا يكل ولا يمل، مندفعا بحكمة في العمل، يجافي جنبه المضاجع، ولا يرتاح إلا إذا كان مشغولا في خدمة المبادئ التي وُلد من أجلها، وتوفاه الله وهو يوصي بها،”الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا”…
كنتُ كغيري من أبناء جيلي نعرف الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله مفتشا عاما في وزارة التربية من خلال الكتب المدرسية التي أشرف عليها، ثم من خلال ملتقيات الفكر الإسلامي التي كان ينظمها أيام وزارته للشؤون الدينية في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، ثم رئيسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي ساهم في بعثها بالحظ الأوفر وشاءت الأقدار أن التحق به فاستخلصني لنفسه، فكنت واحدا من المقربين الذين رافقه سنوات في الحل والترحال…
لقد كان مكتب الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله خلية نشطة تبدأ حركتها الفعالة بوصول الشيخ شيبان إلى مقر جمعية العلماء صباحا وتنتهي بمغادرته مساء قافلا إلى بيته، ثم لا يلبث حتى يعاود الخروج منه لحضور أنشطة علمية وثقافية وسياسية، والمشاركة في المؤتمرات والندوات التي كان حريصا على أن يُسمع فيها صوت جمعية العلماء..!
كنتُ أستقبله أمام باب المقر، فكان يخرج من سيارته نشطا وهو يصارع ما فعلته الشيخوخة في جسده، وأصعد معه أدراج المقر ولا يخلو هذا الصعود من طرفة مضحكة، أو حكمة بالغة، أو زفرة تخرج منه لموقف مؤلم في الداخل أو الخارج، أو قصة محفورة في ذاكرته القوية التي لا تنسى أدق التفاصيل يرويها للعبرة والاتعاظ..!
كان الشيخ رحمه الله في مكتبه يتابع كل صغيرة وكبيرة خارج المقر وداخله، ويحرص على الإشراف بنفسه على كل شيء طلبا للحد الأعلى من الكمال ويفسر ذلك بقوله:”إنه القلق البيداغوجي”، بل وكان كثيرا ما يتصل بي وبغيري في أوقات متأخرة من الليل ويفتح حديثه بعد السلام قائلا:”أنا لا أنام ولا أترك غيري ينام”، وكان هذا مرهقا له وللعاملين معه، وأذكر أنني قلتُ له يوما وأنا في مكتبه نقوم معا بأداء بعض الأعمال التي تنوء بالعصبة أولي القوة، ومراجعة نص خطاب كان سيلقيه في ندوة من الندوات:” شيخنا أنت مثل السيارة التي تسير أكثر من 300 كلم في الساعة ومَثَلُنا كمثل السيارة التي لا يمكنها أن تتجاوز 150 كلم في الساعة فرفقا بنا يرحمك الله” فكان يبتسم ويعلق:”عليكم أن تلحقوا بي لأنني لا أستطيع أن أخفف من السرعة”.
لقد كان الشيخ رحمه الله مرهوب الجانب إذا غضب بسبب تقصير في عمل ما له علاقة بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ولهذا كان “البعض” يتحاشه حتى لا يناله التأنيب والتقريع، فإذا استدعى أحدا للدخول عليه في مكتبه قلتُ لمن معي من الإخوة:”اسألوا لأخيكم الثبات فإنه اليوم يُسأل” وقد ذكرتُ له ذلك فضحك من هذه العبارة حتى بدت نواجذه.
وأشهد أن شيخنا عبد الرحمن شيبان رحمة الله عليه كان يملك عاطفة جياشة يغمر بها من يستحقها، ويحسن معاشرة الناس والتعامل معهم حتى ليظن كل من يعرفه أنه أثير عنده من دون الناس، وكان يحافظ قدر المستطاع على صلة الود بينه وبين من يعرف حتى لا تنقطع، والشهادة لله أنه رغم مكانته وسنه وعلمه كان لا يأنف من الاعتذار إذا أحس أنه أخطأ في حق أحد من العاملين معه، وقد جاءني يوما بنفسه إلى مكتبي معتذرا بسبب سوء تفاهم في مسألة لها علاقة بالجمعية، وهو من هو وأنا من أنا، وقد زاده هذا التصرف تقديرا عندي وحبا.
كان يوم السبت يوما له خصوصية بالنسبة لنا وللشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله ، فقد كنا في هذا اليوم بعد جهد يدوم إلى وقت متأخر من الليل ندفع فيه جريدة البصائر إلى المطبعة، وكان الشيخ حين يصل إلى مكتبه صباحا نجتمع معه ليقرأ علينا “سانحته” فكانت جلسات يوم السبت عبارة عن ندوة علمية أدبية شرعية سياسية لغوية يديرها الشيخ رحمه الله، ولكل الحاضرين الذين اصطفاهم لهذه الجلسة الخاصة الحرية المطلقة في نقد ما يطرحه في سانحته، وكان يأخذ برأي غيره بتواضع كبير..!
كان الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله في الحوادث الداخلية والخارجية التي تستدعي أن يكون للجمعية موقف فيها يجمعنا في مكتبه ثم يطرح المسألة ونناقشها من كل جوانبها ثم يطلب من كل واحد منا رأيه، فإذا لم نجتمع على رأي واحد يأخذ برأي الأغلبية عاملا بقوله تعالى:}وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ {.[الشورى الآية 38].ومما أذكر-وما أكثر الذكريات- أن الشيخ رحمه الله جاءته دعوة من السفارة الأمريكية لحضور حفل أقامته –أظن-بمناسبة ذكرى الاستقلال، وكانت “غزة” يومها تعيش الحصار وتُقصف بالصواريخ الصهيونية من صنع أمريكا ليلا ونهارا من كل جانب، وكعادته استشار من استشار من قيادات الجمعية في مسألة استجابة الدعوة وكنتُ غير موجود لانشغالي بعمل يخص الجمعية، فرأى بعضهم ألا يستجيب للدعوة ولا تكون جمعية العلماء ممثلة في هذا الحفل لأن أمريكا تساند الكيان الصهيوني في إرهابه وقتله لإخواننا في فلسطين، وكان يرحمه الله يحب فلسطين حبا جما ويجلّ المجاهدين فيها إجلالا عظيما، وحين اجتمعتُ به بعد فراغي من العمل، وكنتُ وحدي في مكتبه، سألني عن رأي في المسألة فقلت له:” شخصيا أرى أن تذهب”، فارتسمت على صفحات وجه الشيخ علامات استفهام وتعجب، ثم أضفتُ قائلا:” إن ترك الكرسي شاغرا لن يخدم أحدا، وأرى أن هذه الدعوة فرصة سانحة للجمعية لتندد مباشرة – من خلالك – بما يفعله الصهاينة في حق إخواننا في غزة من حصار وتجويع وتقتيل، وتندد بقوة بمساندة أمريكا للكيان الصهيوني” فتبسم الشيخ وقال لي:” كنتُ أظن أن حماسة الشباب ستجعلك ترى رأي المقاطعين، ولكنك فاجأتني بليونتك ودبلوماسيتك وحسن تدبيرك”.وقد أخذ الشيخ بالرأي الوسط إذ امتنع عن الذهاب بنفسه وأرسل من يمثله في هذا الحفل مع توصيتهم بتوضيح موقف الجمعية من المسألة والتنديد بإرهاب الصهاينة ومساندة أمريكا”.
لقد كان الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله دبلوماسيا من الدرجة الأولى يعرف متى يتحدث وكيف يتحدث وله طريقة ساحرة في المحاورة تأخذ بألباب من يلقونه، وكنا حين يزورنا أحد السفراء أو الشخصيات المعروفة في الداخل أو الخارج نرتب كل شيء، وكان الشيخ قبل أن يلقى واحدا من هؤلاء يجمع القدر الكافي من المعلومات حتى يكون على بينة من أمره، ولهذا تجد الذين زاروه يَعْجَبُون منه ومن عمق إحاطته بالأمور وحنكته السياسية، ومن لباقته وحسن حديثه وبشاشته وقدرته العجيبة على كسب القلوب، ولعل هذا ما جعله واحدا من شخصيات الإجماع في الجزائر يلف ببرنوسه كل التوجهات دون أن يذوب فيها، وأذكر أنني قلتُ له يوما:”إنني أشبِّهك في دهائك السياسي وبرودة أعصابك في المواقف الجُلَّى بعبد الملك بن مروان” فضحك الشيخ رحمه الله..!
لقد طال عمر الشيخ عبد الرحمن شيبان -رحمه الله- حتى أمكنه أن يصبح صديقا لكل الأجيال، ولعل أقرب الأجيال إليه هو جيل الشباب، إذ لم يكن يجعل يبنه وبين هذه الفئة حاجزا، بل كان هو نفسه يحمل روح شاب في جسد شيخ، وكان من أمهر من يستغل طاقة الشباب وقدراتهم في خدمة أهداف الجمعية والإسلام…
كان-رحمه الله- لا يهمه السن إذا اجتمع في المرء الذكاء والفطنة والأمانة والقدرة على التنفيذ، وكان يتعمد تكليف بعض شباب الجمعية بأعمال حساسة حتى ينالوا حظهم من التجربة والخبرة، ولهذا كان يطلب مني أن أستخلفه في درس الجمعة في مسجد القدس، وهو مسجد يحضر فيه علية القوم وله موقع حساس، ويقول لي بكل تواضع:” لا تنساني من دعائك فإنك شاب نشأ في طاعة الله” وهذا من حسن ظنه بالعبد الضيف، ثم أمر بأن أُبرمج لإلقاء درس الجمعة مع مجموعة من كبار الدكاترة والمشايخ لنتداول على إلقاء دروس الجمعة في مسجده، مسجد القدس، وقد وافقتُ على ذلك بشرط أن لا ألقي الدرس في حضرته حياء منه وتأدبا معه، فكان رحمه الله إذا حضر لصلاة الجمعة يوم موعد درسي في مسجد القدس لا يصلي في مكانه المعتاد في الصف الأول ما بين المنبر والمحراب حتى لا ألحظ وجوده، بل يصلي بعيدا متواريا تحقيقا للشرط ولم أكتشف ذلك إلا بعد مدة طويلة حين حضر يوما بنفسه إلى المحراب بعد أداء الصلاة للسلام عليّ والدعاء لي بالتوفيق والاستمرار على نفس النهج والأسلوب قائلا:” لمثل هذا كنت أحسيك الحسا”.
ورغم مكانته يرحمه الله وعلمه وخبرته وتجربته كان كثير المشاورة للشيوخ والشباب على حد سواء، وكم ناقشته في مسائل كثيرة وأبديتُ ملاحظات له واقترحت عليه أشياء فكان يتقبل الملاحظات والاقتراحات بصدر رحب دون أن يرى في ذلك منقصة له، فلقد كان رحمه الله يعمل بقاعدة:”لا تنظر إلى من قال، ولكن أنظر إلى ما يُقال”.
كان شيخنا رحمه الله يفرح أيما فرح حين أخبره بصدور كتاب جديد لي، ويشجع المحيطين به على الكتابة والتأليف، وكانت له عادة معروفة عند المقربين، إذ كان أحدنا إذا أهدى إليه كتابا من تأليفه أدخل يده في جيبه وأعطاه 1000 دينار للبركة -كما كان يقول -رحمه الله- و يذكر حديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:” إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ” رواه مسلم.
لقد استحق الشيخ شيبان رحمه الله لقب “حارس القيم الإسلامية” الذي لقبته به إحدى المؤسسات الإعلامية الأجنبية في عدد خاص أصدرته عن الجزائر، إذ لم يكن يهادن أحدا على حساب دينه وجمعيته التي وهبها شبابه وشيخوخته، فكان قلمه مسلولا في جريدة البصائر وغيرها من الجرائد الوطنية في سبيل الرد على أباطيل الخصوم، وكان يشجعنا على صد هجماتهم ولا نخاف في الله لومة لائم، ورغم بلوغه من العمر عتيا كان يتصفح كل يوم ما يقرب عشرين جريدة حتى لا يفوته أمر ذو بال له صلة بالجمعية أو الإسلام أو ثابت من ثوابت الأمة…وأذكر حين رمى الدكتور محمد أركون –غفر الله له ولنا- المشايخ محمد الغزالي وأحمد حماني وعبد الرحمن شيبان بقذائف من الجرح والتزوير في حوار مع جريدة وطنية، كتبتُ ردا عليه وبينت خطورة أفكاره، فلما قرأه صديقنا الأستاذ السائحي على الشيخ عبد الرحمن شيبان استدعاني وقال لي:” وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى، ما هذا إلا إلهام من الله، سأنشر مقالك في سانحة العدد عوضا عن مقالي”. وبالفعل خرج مقالي مكان عمود الشيخ في افتتاحية البصائر…
كان الشيخ رحمه الله مدرسة سياسية محترمة تملك من الخبرة والدهاء الكثير، وقارئا ذكيا لما بين السطور، ومستمعا يدرك جيدا مرامي الكلام وهو أستاذ البلاغة القدير، فقد كان يحب أن يكون العالم عارفا بخريطة واقعه السياسي، متفاعلا لا “درويشا” متغافلا، وأذكر أنني صحبته يوما إلى ندوة سياسية نظمها حزب كبير ألقى فيها الشيخ خطبة قوية صفق لها الحضور، وقد حاول واحد من الشخصيات المعروفة من الحزب نفسه في كلمته ضرب شخصية معروفة أخرى من نفس الحزب بتحوير كلام الشيخ وتفسيره على نحو يُظهر أن الشيخ عبد الرحمن يناصره ضد خصمه، ولكن الشيخ فهم اللعبة وطلب تعقيبا افتتحه بقوله:”إن فلان الفلاني يريد أن يأكل “الهندي” بفمي” فضحك من كان في القاعة، ثم علق الشيخ على كلام صاحبنا تعليقا أفحمه.
لقد كان الشيخ -رحمه الله- وفيا للفكر الباديسي، مؤمنا به إيمانا راسخا، ملما بتراث شيخه الإمام عبد الحميد بن باديس –رحمه الله- بدليل أنه كان يحفظ عن ظهر قلب كثيرا من مقالاته بالجزء والصفحة، ولهذا كان يأمل أن يسير شباب الجزائر على خطى الإمام إلى الأمام.
لقد مات سماحة شيخنا عبد الرحمن شيبان-رحمه الله- وقلبه معلق بخير جمعية أخرجت للناس..جمعية العلماء المسلمين الجزائريين..التي تربى في حضنها صغيرا، وخدمها بإخلاص كبيرا، وكان برئاستها بعد ذلك جديرا، وفي تسيرها رغم الصعاب قديرا..مات وآخر وصيته للأمة الجزائرية جمعاء وهو على فراش الموت يلفظ آخر أنفاسه أن حافظوا على جمعية العلماء المسلمين، وقد كان أمر استمرارها في عطائها الإصلاحي النهضوي يؤرقه حيا، إذ كان يخاف عليها السقوط والانقطاع، فيكون جهده وجهد غيره من رجالاتها قد ضاع..!
وأذكر أنني كنتُ معه في مكتبه ذات صباح قبل انعقاد مؤتمر الجمعية بأيام نتبادل أطراف الحديث وأحسستُ منه وجله الكبير على حاضر الجمعية ومستقبلها، فحاولت أن أُذهب عنه مخاوفه تلك بتعداد ما أنجزه مع إخوانه من العلماء من نجاحات محققة ظاهرة للأعين المبصرة-وما يستوي الأعمى والبصير- رغم قلة الوسائل وكثرة التحديات، وتوسع لشُعب الجمعية في عهده عبر الوطن حتى كان تأسيسا آخر لا يقل عظمة عن التأسيس الأول أيام الزمرة المباركة، ابن باديس وصحبه، المؤسسة لصرح جمعية العلماء، فرد عليَّ بقوله وعلامات التأثر مرتسمة على صفحات وجهه:” اسمع يا شيخ كمال، أي عمل أو جهد بشري لا يمكن أن يوصف بالعظمة إلا إذا استمر خيره ونفعه ولم ينقطع بعد موت أصحابه، فإذا انقطع بعد موتهم ورحيلهم من هذه الحياة فَقَدَ تميزه وكان هذا أمارة على ضعف القواعد الموضوعة، وسوء التدبير، والفائز من أخلص عمله لله واستمر بعده”.
إن أجمل هدية يقدمها أبناء جمعية العلماء لشيخهم الراحل عبد الرحمن شيبان هي العمل بوصيته والمحافظة على جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تحت أي ظرف حتى لا ينقطع نفعها عن الناس وخيرها، وتستمر في جهادها الدعوي والتربوي والتعليمي والتوجيهي حتى تصل إلى الغاية وترفع الراية على جبل الانتصار باقتدار.
وإن جمعية العلماء المسلمين في عهدها الجديد –كما قال سماحة الشيخ عبد الرحمن شيبان رحمه الله نفسه في خطاب المؤتمر الجامع – “عازمة ـ بحول الله ـ على بذل جهود أكبر في مستقبلها، في سبيل تحقيق رسالتها، وتقوية وسائل عملها، لمحاربة الآفات الاجتماعية، حتى يغدو مجتمعنا مجتمعا نظيفا قويا في دينه، في أخلاقه، في ثقافته، في علمه، في تقنيته، في كل عمل يعمله، وإننا لندعو شبابنا ليتعلم دينه على الوجه الصحيح، ويتكلم بلسانه المبين، ويتخلق بأخلاقه القويمة، ويجاهد من أجل امتلاك العلم والتقنية المعاصرة، فإن قوة الأمة اليوم ومكانتها بين الأمم، متوقف على نسبة ما تملكه من المعرفة والعلم، في عالمنا المعاصر”.
رحم الله شيخنا عبد الرحمن شيبان رحمة واسعة، وجزاه عنا وعن الإسلام والعربية والجزائر خير الجزاء، وتجاوز بعفوه ومغفرته وكرمه عن سيئاته المغمورة في بحار فضائله، وألحقنا به غير مغيرين ولا مبدلين، على الإسلام ثابتين، وفي سبيله عاملين.آمين.
أعجبني •

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى