هل دخلت مصر مرحلة الدولة الفاشلة؟!/عبد الحميد عبدوس
لقد اكتملت أركان الانقلاب العسكري بصدور قرار حبس الرئيس المعزول محمد مرسي بعد مرور 23 يوما كاملا من تغييبه القسري في معتقل سري، عقب خطاب الجنرال عبد الفتاح السيسي.
ومن الواضح أن واضع سيناريو الانقلاب لم يكن مهتما بضمان التماسك التنفيذي والإقناع المنطقي لعرضه العبثي، بقدر اهتمامه بتوفير الغطاء الإعلامي والدعم الدولي لمخططه القائم على القوة والإكراه.
فما دامت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الدوليون وأتباعها الخليجيون راضين بتأدية دور “الشيطان الأخرس” بخصوص الانقلاب في مصر، وما دامت القوة العسكرية التي نفذت عملية الانقلاب على الشرعية الانتخابية قادرة على حسم الصراع السياسي لصالحها في أية مواجهة محتملة مع فئات الشعب الداعمة لشرعية الرئيس المنتخب، فلم يبق أمام قائد الانقلاب سوى تسيير البلاد بأسلوب الإنذارات والتهديدات وفرض شرعية القوة بالمسيرات والهتافات التي توزع فيها قوات الشرطة قوارير المياه وباقات الورد ويحميها الجيش بالدبابات ، ولم يكن الانقلابيون في حاجة حتى لاحترام الشكليات الدستورية بإصدار قرار عزل الرئيس لرفع حصانته الرئاسية حتى تتم محاكمته بتهمة “التخابر مع حماس”وقبل أربعة أيام من صدور قرار حبس الرئيس المعزول محمد مرسي كانت جريدة الأهرام قد نشرت على صدر صفحاتها الأولى بعناوين عريضة خبر قرار النائب العام بحبس مرسي وتفاصيل التهم الموجهة إليه، ولكن النيابة العامة والمتحدث العسكري باسم الجيش سارعا إلى تكذيب الخبر،وتم استدعاء رئيس تحرير الجريدة للتحقيق معه بشأن نشر الخبر ويبدو أن استياء السلطات في مصر من نشر الخبر كان بسبب التوقيت الذي كان سيؤثر على طبيعة تلقي خطاب الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي طلب تفويضا من الشعب للقضاء على الإرهاب، وإن تعجب فعجب اصطفاف دعاة الليبرالية والديمقراطية والدفاع عن الحقوق المدنية في طابور واحد داخل معسكر المتحركين بالإيعاز العسكري، والمفارقة أنه في الوقت الذي كان الرئيس المعين من طرف قائد الانقلاب يدعو إلى اجتماع للمصالحة الوطنية، كان قائد الجيش يدعو إلى منحه تفويضا شعبيا للقضاء على الإرهاب، وكأن القوانين المصرية خالية من قوانين مكافحة الإرهاب، ولعل الانطباع السريع الذي أشاعه خطاب قائد الانقلاب هو المزيد من التوجس والقلق والخوف من احتمال الانزلاق إلى هاوية الحرب الأهلية بدل إشعار المواطنين بالأمن والطمأنينة. والحقيقة التي أظهرتها صور الحشود والحشود المضادة في ساحات مصر وميادينها أن المجتمع منقسم سياسيا ومتنوع فكريا ودينيا وهذا شيء طبيعي، ولكن ما ليس طبيعيا ولا مقبولا هو أن يتولى قائد الجيش الذي يقود مؤسسة هي مكسب لكل المصريين ورمز لوحدتهم ودرعا لحماية أمنهم القومي واستقلالهم الوطني الإعلان عن انحيازه الكامل إلى فريق سياسي معين على حساب فريق سياسي آخر ويتهم الفريق الآخر بالعنف والإرهاب! فهل سيعتبر الرافضون لتأييد دعوة الفريق السيسي قد خرجوا لمنح تفويض للإرهاب بالتواجد في مصر والعمل تحت غطاء التأييد الشعبي؟! ألم تواجه مسيرات أنصار الرئيس المعزول بالرصاص وقنابل الغاز، وتحولت اعتصامات سلمية إلى مجازر دموية؟أليس من حق هذه الفئة التعبير عن رأيها والاستفادة من حماية أجهزة الدولة لحقوقها الدستورية في التظاهر والتجمع والاعتصام؟فهل طلب الفريق السيسي تفويضا لمواجهة العنف أم صكا على بياض لممارسة العنف ضد التيار الإسلامي؟
والمؤسف أن النخبة المصرية تحولت في معظمها إلى جوقة لتبرير سحق العملية الانتخابية والتنظير لما يمكن تسميته “ديمقراطية الدبابة” أو الديمقراطية المجنزرة وتدعي هذه الفئة التي تتصدر وسائل الإعلام في مصر أن سبب الانقلاب على مرسي هو من أجل إنقاذ الدولة من التسيير الفاشل للرئيس مرسي وجماعة الإخوان للدولة، ولعل السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو هل كان تسيير الدولة ناجحا ورشيدا قبل أن ينتخب الرئيس مرسي ليتسلم سلطة الحكم في مصر لمدة عام واحد جوبه خلاله بكل وسائل العرقلة والتفشيل من طرف بقايا النظام السابق أو ما يعرف بالفلول أو جهاز الدولة العميقة؟!
ألم تكن مصر رغم كل إمكانياتها البشرية والطبيعية تقبع في صف الدول المتخلفة وتعاني من أزمات اجتماعية تتجلى في انتشار الفقر وتوسع العشوائيات وصعوبات اقتصادية ومديونية خارجية ثقيلة، وباختصار كانت تعاني من وضع ثار الشعب المصري بأغلب فئاته ضده في 25جانفي2011.
إن صدور قرار حبس الرئيس المعزول محمد مرسي بتهمة التخابر مع حركة المقاومة الإسلامية “حماس” يعطي مؤشرا مقلقا على طبيعة ما يحضر للقضية الفلسطينية بعد الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة، ألا يعتبر التخلص من حكم الإخوان في مصر مقدمة للتخلص من حركة حماس في فلسطين أو على الأقل إضعاف قدرتها على معارضة الصفقة التي تحضرها أمريكا لتصفية القضية الفلسطينية وإشعال المنطقة العربية بسلسلة من الحروب الداخلية التي تتمخض عن دولة فاشلة تجعل ميلاد الشرق الأوسط الجديد العزيز على الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قضية لا مفر منها في الأمد القريب؟!