حمى الله مصر من حرب أهلية/الدكتور عمار طالبي
إن دعوة الفريق عبد الفتاح سيسي إلى خروج الشعب المصري في مظاهرات حاشدة، وهو يعلم أن مؤيدي محمد مرسي دعوا قبله إلى التظاهر في اليوم نفسه، لتأييد الشرعية أمر مؤسف جدا، ويخلو من أية حكمة، ومن أية حنكة سياسية، لأن العاقبة المحققة لهذه الدعوة حرب أهلية، يسفك فيه بعض الشعب دم البعض الآخر. إن مظاهرات مؤيدي الشرعية، بقيت على مبدئها السلمي، والذين استشهدوا كانوا من هذا الفريق، سفك دماءهم البلطجية ورجال الأمن بلباس مدني، مع أن المتظاهرين سلميون، ولم يثبت أنهم حملوا السلاح، وكل قادتهم يدعونهم إلى ملازمة السلم، وعدم مخالفته، دعوة صريحة وحقيقية تشهد مخالفتها لحد اليوم، ومن يضمن سلمهم إن سفكت دماؤهم. ولعل هذه الدعوة التي نادى بها الفريق إنما هي لتتاح له الفرصة للانقضاض على معارضيه، للقضاء عليه، وقهرهم باسم الإرهاب، وهي دعوة ليست من شأن القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا من شأن وزير الدفاع، فكأن الفريق أصبح رئيسا للجمهورية، يطلب تأييد الشعب أو كأنه رئيس حزب أو رئيس مجموعة من الأحزاب يدعو الشعب لمناصرته، وهذا أمر غريب من عقلية عسكرية لا سند لها من الدستور الذي ألغي، واعتدي عليه بغير حق، ولا أي سند شرعي، وأهمل رئيس الجمهورية الذي وضعه، ونصبه، وكأنه أخذ هذه الأدوار كلها في شخصه.
وهذه الدعوة في واقع الأمر هي دعوة للحرب الأهلية وللفوضى، بعدما هدمت كل الأطر الدستورية، والقانونية، واعتُدي على الرئيس المنتخب نفسه، ولا يعرف له مصير، حتى من أفراد أسرته.
وهذه الأحزاب التي تجمعت في جبهة الإنقاذ أصبحت جبهة لإغراق الشعب في الدماء والفوضى من أجل الحكم وشهوته، ولجأت إلى استعمار الجيش والشرطة؛ وبالأمس كانت تنادي في ثورة 25 يناير بإبعاد العسكر عن الحكم، نداء قويا مع بقية الأحزاب، والشعب المصري كله ينادي بذلك.
إن قلب الحقائق، وتشويهها، أصبح عادة هذه الجبهة، ولما فقدت القاعدة الشعبية، لجأت إلى التآمر، وإلى منطق مقلوب، وتهم باطلة، تتهم بها خصومها بغير حق، ونحن نشاهد يوميا هذه المظاهرات، ولا نرى فيها من الشهداء إلا شهداء المظاهرات السليمة، ولا نرى عدوانا عليها إلا من البلطجية أو الأمن بلباس مدني أو هما معا.
سواء أمام الحرس الجمهوري أو في ميدان النهضة أو غيرها من الميادين في الإسكندرية وأسيوط والفيوم والإسماعيلية ودمياط والمنصورة، تسفك دماء الأطفال والنساء والرجال بالرصاص الحي، ويغيره. ولم نر أحدا من المتظاهرين اعتدى على غيره.
وعندما تستمع بانتباه شديد إلى المتحدثين من قادة جبهة الإنقاذ لا ترى لهم منطقا، ولا حقيقة واقعية، سوى الاستناد إلى تأييد العسكر الذي نبذوه وراء ظهورهم بالأمس، فأصبح هو النصير وهو الحبيب، لأنه جاء بهم إلى الحكم، ومنحهم ما لا يستحقونه، وما لا يستحقه العسكر نفسه، مصر اليوم لا دستور يحكمها ولا قانون ولا شرعية إلا الأهواء.
والمراقب المشاهد من بعيد وبنظرة حيادية لا يرى إلا أقلية من قادة الأحزاب لا قاعدة لها من الشعب تريد أن تركب أي مركب، يحملها إلى سدة الحكم، ما عدا الصندوق، لأنهم فشلوا فيه عدة مرات، فخافوا منه ودبروا بليل هذا التدبير الذي ورطوا فيه الشعب المصري، كما تورط بعض قادة الجيش معهم فانحاز إليهم كأنهم وحدهم الشعب المصري.
إن ما يسمى بالثورة الثانية (30جوان) إن هي إلا ثورة مضادة اتخذت شعار الثورة وعملت لتحويلها إلى فوضى، وثبت كذب عدد الجماهير التي حسبوها، ولا يصدق ذلك منطق ولا واقع، فإن ميدان التحرير بالأمتار لا يسع هذا العدد الكذوب، وصرح مصدر هذا العدد بأنه بريء من هذا الإحصاء الذي نسب إليه.
إن التاريخ لا يكتب بالأكاذيب وبالهوى وما تشتهيه النفس من حب للحكم، والسيطرة. ولعل الفريق لم يدرك خطورة ما دعا إليه، كما لم يدرك خطورة ما فعله من هدم للأطر الدستورية والقانونية للوطن، واعتمد على منصبه الذي أسنده إليه الرئيس محمد مرسي، فانقلب عليه، كما اعتمد على القوة العسكرية، وعلى المضادين للثورة.
ندعو الله عز وجل أن يحمي مصر مما يراد بها من كيد إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}، الطارق15-17، الكافرين بحق الانتخاب والشرعية.
وإني معجب أشد الإعجاب حقا بصلابة الشعب المصري في حقه وثباته وصبره وإصراره على حقه في الحرية؛ أما نساء مصر فإنهن أقوى من الرجال وأشجع.
وها نحن نشهد عاقبة خطاب الفريق يسقط (200) قتيل وأكثر من 4500 جريحا رحم الله الشهداء وشفى الجرحى، ألا ينتهي الفريق عند هذا الحد ويتراجع؟