جشع التجار في شهر رمضان/الدكتور فارس مسدور
كلما أقبل علينا شهر رمضان برز جشع التجار في أسوأ أحواله، وتفنن كل واحد منهم في ابتزاز الصائمين والصائمات، بل أن درجة الغش والتدليس واستخدام أدوات لا أخلاقية في التجارة تبرز بشكل واضح وفاضح في شهر يفترض أن يتقرب التاجر من ربه بالتخفيف عن الصائمين، ومراجعة تصرفاته غير الأخلاقية لعله يتوب ويرجع إلى ربه، لكن الذي يحدث هو عكس هذا تماما، فالهدف هو الربح بأي طريق كان، وعندها يكون الصائم هو الضحية.
المشكل أن هذا يحصل أمام مرأى ومسمع من كل الأجهزة الرسمية دون رادع ولا ناه عن ممارسات مرفوضة شرعا وقانونا، ويترك الصائم في كل سنة يعاني الأمرين، انخفاض المدخول، والارتفاع الفاحش في الأسعار، وفوق كل هذا وذاك يواجه سلعا مغشوشة في إنتاجها، في تاريخ صلاحيتها، وفي الممارسات الإجرامية التي تطال السلع التي تكون مستوردة وتوشك على انتهاء صلاحيتها، وتمر عبر الجمارك وأحيانا عن طريق التهريب، لتصل إلى مائدة الصائمين في بلادنا.
لماذا هذه التصرفات الإجرامية، ثم لماذا لا يتم ردعها بكل صرامة قانونية حتى لا يتجرأ هؤلاء التجار المجرمون على خداع الناس والتربح بهذه الطرق غير المشروعة. لماذا لا تظهر قوة أجهزة الرقابة وقمع الغش بقوة في مثل هذه المناسبات، ثم لماذا لا تنشئ الحكومة أسواقا للرحمة بمناسبة هذا الشهر الفضيل؟
العجيب أن هذه الممارسات غير السوية والقذرة لا تحصل إلا عندنا، فهل نكره بعضنا بعضا، أم هل غاب خوف الله تعالى من قلوب تجارنا، أم أن الجهات الرسمية هي السبب في هذا التسيب الذي فشى في أسواقنا؟
ماذا علينا أن نفعل لمواجهة هذا الوضع الخطير الذي لا يقبله أي عاقل في هذا البلد؟
أولا: على الحكومة أن تتبنى فكرة أسواق الرحمة أو الأسواق المنظمة بأسعار رسمية معتمدة تكون مخففة أو خالية من أي ضرائب، وهذا حتى يتمكن أصحاب المداخيل الضعيفة من التسوق في رمضان دون خوف من ارتفاع الأسعار.
ثانيا: تبني مشروع الجنات الضريبية التي تعتبر مناطق تسوُّق ضخمة خالية من الضرائب يمارس فيها التجار نشاطاتهم التجارية بشكل رسمي وتحت إشراف إدارة متخصصة تضمن احترام القانون داخل هذه الجنات، ويمكن أن تكون هذه الجنات أسواقا أسبوعية يتزود منها المواطنون حاجاتهم الاستهلاكية في هذا الشهر الفضيل.
ثالثا: إلغاء مؤقت للضرائب في شهر رمضان، وهو إجراء يمكن أن تتبناه الحكومة بالنسبة للسلع واسعة الاستهلاك، تخفيفا منها على العائلات الفقيرة في رمضان، عوض تقديم قفة لكل عائلة لا يتجاوز سعرها 30 دولار.
رابعا: استحداث وحدات المراقبة المشتركة بين أجهزة الرقابة ومكافحة الغش لدى وزارة التجارة، وأجهزة الأمن المتخصصة في مكافحة هذا النوع من الجرائم (الدرك الوطني، والأمن الوطني) على أن تكون هذه الخرجات الميدانية مكثفة في شهر رمضان.
خامسا: تثبيت الأسعار الخاصة بالمواد الأساسية ونشرها عبر الوسائل الإعلامية، ومعاقبة كل المخالفين لتلك الأسعار بما يتوافق مع القانون.
سادسا: استحداث بطاقة الخير في رمضان، وهي بطاقة تموينية تسلم للمستفيد بغية التسوق في حدود مبلغ معين لا يمكن تجاوزه، يقترح أن تكون بمبلغ 10000 دج في شهر رمضان.
سابعا: تبني الحكومة لومضات إشهارية مكثفة تذكر التاجر بالخوف من الله وضرورة التنازل عن جزء من ربحه في رمضان، وحث الصائم على عدم الإسراف.
كل هذه المقترحات وغيرها من شأنها أن تخفف من وطأة جشع التجار في رمضان وفي غير رمضان.
الدكتور فارس مسدور