آن الأوان لأن تعطى الكلمة للشعب!/ الدكتور عمار طالبي
كثر الجدال هذه الأيام في غياب الرئيس عن الوطن، في شأن مرضه شفاه الله، وفي شأن المادة88 من الدستور، وغموض المستقبل، ودعوة السيد شفيق مصباح إلى اللجوء إلى الرئيس اليمين زروال، لما يرى أنه السبيل للخروج من هذا الجدال، وهذه الأزمة التي تعصف بالبلاد، يمكن تجاوزها بوجوده على رأس الدولة لما عرف عنه من النزاهة والوطنية.
إن هذه الأزمة التي يمر به الوطن وخاصة ما نشاهده من الخراب الاقتصادي ونهب أموال الأمة، والاستيلاء عليها، من قبل مافيا متوغلة في الجهاز الذي يسير الدولة، توغلا فاضحا واضحا، وما خفي أعظم، لهذا فإن الحل هو العودة إلى كلمة الشعب وإرادته، فهو مصدر السلطة، ولا يجوز العدوان عليه بتزييف إرادته أو بفرض فئة من الناس دون إرادته، فيجب قطع الصلة تمام بما كان يجري من احتكار أحزاب معينة للسلطة وتداولها، وتغييب البرلمان الذي لا يستطيع أن يراقب، وتفرض عليه القوانين، وسهولة تعديل الدستور تبعا لما يهوى بعض الناس ليتفق مع ما يشتهون من التسلط على الحكم، وإجراء انتخابات يشوبها كثير من التزييف، ومن أهم ما ينبغي أن يبدأ به صياغة دستور واضح في نصوصه متكامل في محاوره، بحيث لا يمكن العبث به، ولا تجاوزه في كل مرة، وينص فيه على وجود نائب للرئيس وملء كل الفراغ الذي يعانيه الدستور، ولكن لا تكفي صياغة الدستور كأجمل ما يكون في مبادئه وصياغته، وتجميل صورته، بل إن الالتزام به، وحراسته من كل ما يعبث به ويتجاوزه أمر حتمي في حياتنا السياسية، فقد آن الأوان لفتح صفحة جديدة في تاريخ السياسة الجزائرية التي لم يكتب لها النجاح لا في الاقتصاد ولا في التنمية البشرية ولا في الصناعة، مع توفر الإمكانات الهائلة بشريا وماديا، لو توفرت لغيرنا لصنع المعجزات، بددت هذه الإمكانات المادية، وضاعت، بالرغم من محاولات –أخيرا- في بناء الهياكل القاعدية، والمساكن، والسكن هو المشكلة الدائمة، وفشلت هذه السياسة الحالية في حلها، كما فشلت في الانتهاء من المترو سنين عددا.
وكانت السياسة عندنا وما تزال تعد بإعطاء الحقوق، ولكنها غفلت عن القيام بالواجبات، فكما قال مالك بن نبي رحمه الله إن الواجبات بالاصطلاح الاقتصادي هي الإنتاج، والحقوق هي الاستهلاك، فما لم يكن القيام بالواجبات في الإنتاج فكيف يمكن أن نطمع في الاستهلاك؟
قد وصلت الفاتورة هذه الأيام في استيراد القمح وغيره مبلغا هائلا في الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، فإلى أين نحن سائرون؟ يبدو أنه بعد عشرين سنة على الأكثر لا نجد ما نشتري به غداءنا، فما هو الحل، وما هو سبيل الخروج؟ اعتقد أنه يجب مراجعة مناهجنا في التفكير، والعمل على تغيير شامل لطرائقنا في الاقتصاد، والسياسة والتنمية وإعطاء القوس لباريها.
وأن تبعد المافيا من مؤسساتنا، وأن نعطي الراية في التغيير والعمل الجاد لشبابنا وأن تتغير مناهج تربيتنا وتعليمنا، وأن تعتمد على البحث العلمي الجاد، في جامعاتنا، ومراكز البحوث في بلادنا، ولا نترك سبيلا لهجرة كفاءاتنا التي ضاعت من البلاد بسبب المافيا والاحتكار وإبعاد الباحثين والعلماء الجادين عن قيادة البحث العلمي، وتهميش من يعود إلينا من الغرب بتكوينه العلمي الفائق، وعزمه على العمل، ولكن مع الأسف الشديد لا يلبث أن يهاجر من حيث أتى وتعطى له كل الإمكانات للبحث والابتكار، ولكن لمن نتائج بحثه وابتكاره؟ إنها لغيرنا، وبذلك ضاعت جهودنا في تكوينه قبل ذلك كله، وخاب سعينا، وبقيت بلدنا يسير شؤونها الاقتصادية والإدارية والثقافية من لا يتقي الله في هذه الأمة التي أتعبها التاريخ وأنهكها كثير ممن يسيرها! إن الخلاص في اقتصاد المعرفة باختصار.