الترويع والتبديع في دول الربيع- 02/الدكتور عبد الرزاق قسوم

ونحن نضمد جراحنا، من آثار التحول الدامي باسم الربيع العربي، في كل من تونس، وليبيا، ومصر، وقبل أن يهدأ لنا البال في سوريا.
وبعد أن سئمنا الاغتيالات، والتفجيرات، واحتلال الوزارات من العصابات. وبعد أن مللنا من تنظيم الاحتشادات، والمليونيات، ورفع الشعارات في الساحات، كما يحدث في ليبيا، ومصر. وبينما نحن في دوامة هذه التحولات العنيفة، تحت عناوين مختلفة، نتأمل دوافعها، نحاول أن نبرر وجودها، ونتساءل مع العقلاء والمنصفين، أهذه هي رسالة الربيع العربي؟ هل يمكن التخلص من الاستبداد الفردي، بالاستبداد الجماعي؟ ومن الظلم السياسي بالظلم الحزبي؟ أو إحلال الطغيان الطائفي محل الطغيان الحزبي؟
بينما –نحن- في هذه الدوامة الربيعية الغربية، التي شوهت وجه الربيع، ووضع التغيير، ها هي ذي تطل علينا الذكرى المشؤومة، ذكرى أم الهزائم العربية.
إن ذكرى الخامس من يونيو عندما تطل علينا، إنما تضرب في وجودنا بواطن التدبير والتفكير، وتلسع في كرامتنا بواطن الضمير.
فالقيادات العربية السابقة، هي التي مكنت باستبدادها، وسلمت بضعف قيادتها أرضا أو تمنت عليها، فألحقت بنا، ونحن سبعة جيوش عربية، الهزيمة على يد الجيش الصهيوني الواحد الموحد، وإننا إذن لخاسرون.
فمنذ وعد بلفور المشؤوم، وما تبعه من هزائم في 56، و65 و73، ونحن نعاني التدهور السياسي، والعسكري، والاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي، لينحال ذلك كله على هذا التشرذم الذي أسلمنا إليه الربيع العربي، بانقسامه الحزبي، وعصيانه الطائفي، وغلوه الديني، وتذبذبه الإيديولوجي.
أمتنا العربية الإسلامية اليوم، تعيش وضعا لا تحسد عليه، إنه التناقض بين ما وهبها الله إياه من وفرة المال، وطاقات الرجال، وبين غثائية الفساد، وهشاشة العباد، وطمع المحتلين وعملائهم من الأوغاد.
كيف نفسر للجيل الذهبي من أبنائنا هذا الجيل الصاعد البريء، وكله أمل في مستقبل وطنه، كيف نعلل ما فعل ويفعل الكبار، بخيراته، ومقدراته،، كيف نبرر لأنفسنا تاريخ أمّة ضيعه المفلسون منا، دون واع أو رقيب، فلم يحاكموا إلا من التاريخ؟.
إن أم الهزائم، وهي تطل علينا اليوم برأسها المشؤوم، إنما تدغدغ السكينة في جرحنا الدامي، فتزيدنا ألما في سوريا على أيدي الأخلاء المتقاتلين، وقد زاد الطين بلة، انضمام أعداء الله، إلى جانب حزب الله، ونصر الله، إلى المعركة الدائرة، للقضاء على كل ما هو حي من البشر والشجر في سوريا.
وكيف يهدأ لنا بال، وهناك في العراق الشقيق، هو الآخر، أخوة متشاكسون يتحاورون بالسلاح، ويحيون بعضهم بالتفجيرات، ويتنابزون بالألقاب والطائفيات، ألا ساء ما يزرون.
تالله، إننا لفي هم، وإننا لفي ضلال مبين.
إن ما يحدث من ترويع، وتبديع، وتفجير، وتكفير، في فضائنا العربي، إنما هو النتائج الخاطئة التي بدأت بالهزائم العربية قديما، وكنا نمني النفس بأن الربيع العربي، ستخضر أوراقه، وتنتعش وروده وأزهاره، ولكن خيبة الأمل كانت كبيرة عندما وجدنا الربيع العربي يتحول إلى خريف، وأم الهزائم العربية، تتمخض عن هزائم أخرى، لا على أيدي الصهاينة الأعداء، بل على أيدي الأشقاء الألدّاء.
هل نستيقظ –اليوم- على صوت كل هذه الهزائم المدوية، فتصحو ضمائرنا ويتغلب رأي الدين فينا، وصوت العقل بداخلنا، فيتنادى الجميع حكاما ومحكومين إلى كلمة سواء بين الجميع، كفا دماء! كفى هزائم! كفى تشرذما! فقد جفت عيون أمهاتنا من الدموع، ونضبت بيوتنا من الشموع، وتعبت جماهيرنا من تنظيم جنائز الجموع.
أما آن للإنسان عندنا، أن ينعم بقليل من الأمن، والأمان، والإيمان؟ أما آن لأطفالنا أن يتمتعوا قليلا بالمرح واللعب، بعد سلسلة الآلام والأحزان؟
أما آن لمستشفياتنا أن يشعر مرضاها وأطباؤها، بقليل من الراحة من عناء الاستعجالات، وصفارات سيارات الإسعافات والإنذار؟
إننا نتوجه إلى الله بدعاء الشيوخ الركع، وبكاء الأطفال الرضع، وثغاء الحملان الرتع، أن يحقن الله وينهي هزائمنا.