مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
نشاط المكتب الوطنينشاطات الجمعية

الشيخ بن يونس آيت سالم في حوار لـ "الخبر"

BENYOUNES

النص الكامل للحوار الذي أجرته جريدة الخبر اليومية الجزائرية مع الشيخ بَن يونس آيت سالم نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين

حدثني عن بداياتك مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ؟

لقد عرفتُ الجمعية من خلال ما قرأتُ عنها، وما قرات لرجالاتها، وعرفتها أكثر من خلال احتكاكي  بمن عاشوا تلك الحقبة ولازموا الشيخ الإمام محمد البشير الإبراهيمي ،أخص منهم بالذكر الحاج عبد الرحمان القورصو، والشيخ بومدين دالي يوسف، الملقب  بالتاجر، والحاج أحمد باغلي، والحاج عبد القادر الشيخاوي، والحاج عبد القادر بن يونس، وبعض معلمي دار الحديث أمثال الشيخ المختار الصّبان، وغيرهم.
وعرفت الجمعية كذلك من خلال مؤسسة دار الحديث التي نحن الآن في رحابها، هذه المؤسسة التي كانت وما تزال منارة للإصلاح ، كما كانت محضنا للوطنية وقلعة من قلاع الجهاد والاستشهاد، بدليل ان فرنسا اغلقتها بعد ثلاثة اشهر من افتتاحها  ، وظلت تتربص بها الدوائر، غير انها لم تثن الجمعية عن نشر رسالتها وتنفيذ مشروعها ، وذلك بتوفيق من الله تعالى ، ثم بفضل عبقرية الامام الابراهيمي الذي كان يتحرك وفق مبدأ ” الظروف تكيفنا ولا تتلفنا “.
وابان الحرب التحريرية المباركة احتلتها فرنسا منذ سنة 1956 وعاثت فيها فسادا. الى ان استقلت الجزائر.
وشاءت حكمة الله ان اكون خطيب مسجدها لمدة عشر سنوات بدءا من سنة 1981، وانا سعيد بكوني قضيت الجزء الاكبر من عمري في هذه المؤسسة، واحمد الله على ذلك .

في اعتقادك إلى أي مدى وُفقت الجمعية في تحقيق أهدافها ؟

لقد آمنت جمعية العلماء بان تحرير الاوطان يمر عبر تحرير الانسان، يقول الامام الابراهيمي “ان تحرير العقول اساس لتحرير الابدان واصل له، ومحال ان يتحرر جسد يحمل عقلا عبدا”. فعمدت الى تطهير العقيدة من الخرافات، وتطهير العقل من الشبه، وتصحيح نظرة الانسان الجزائري للحياة، وقد اعتمدت في ذلك على وسائل كثيرة في مقدمتها  المدرسة و المسجد والنادي و الصحافة و الكشافة و المسرح، ومدت الجسور مع كثير من الأندية الرياضية، وحتى الفنية.
لقد كان التعليم هو اول مسمار دقه ابن باديس في نعش الاستعمار، فهو رحمه الله القائل”  أنا أُعلّم إذاً أنا أُحارب الاستعمار، ومتى انتشر التعليم في أرض ، أجذبت على الاستعمار،و شعر عندها بسوء المصير.”
واقل ما يقال عن جمعية العلماء انها كانت حربا على الجهل والامية ، وثورة على الجمود والتخلف، وصراعا ضد الغزاة الاستعماريين . وقد حققت الجمعية الجزء الاكبر من مشروعها بعون الله وتوفيقه، ثم بجهود العلماء و المعلمين والمصلحين من حولهم.

ما مدى تأثير شخصية الشيخ البشير الإبراهيمي على تكوينك ؟

أنا متأثر بشيوخ جمعية العلماء كلهم، وفي مقدمتهم الشيخ ابن باديس العالم الربّاني المُجدد، فهو مدرسة متميزة في الإصلاح والنهضة، لكن تأثري بالإمام البشير الإبراهيمي تأثر لا مزيد عليه ، فإلى جانب موسوعيته في العلم ، فقد كان مربيا بامتياز، كما كان سياسيا محنكا، وقد شهد له ابن باديس بذلك في اكثر من مناسبة .
ففي سنة 1933 زار ابن باديس تلمسان من اجل تنصيب شعبة لجمعية العلماء ، وبعد ان استمع اليه التلمسانيون أعجبوا به اعجابا كبيرا، وذكرهم علمه بعلماء تلمسان الافذاذ، أمثال المرازقة، وابني الامام والمقري، والشريف التلمساني، وغيرهم، فحاولوا اقناعه بالبقاء في تلمسان لكنه اعتذر، و قال لهم: أعدكم بانني سأبعث إليكم بمن هو اعلم مني(يقصد الامام الابراهيمي) وهذا الكلام فيه تواضع كبير من الإمام ابن باديس، ولكن فيه كذلك من الإنصاف للشيخ البشير الإبراهيم، فالرجل بويع بعد ذلك بإمامة اللغة العربية في مصر ارض الكنانة يوم كانت تعج بالعلماء و الادباء و اللغويين، فضلا عن علمه بالواقع من منطلق أن ذلك شرط أساس في الداعية و المفتي و القاضي، فالعرف مصدر من مصادر التشريع عند المسلمين ، والمدرسة المالكية التي ننتمي اليها من غير تعصب، والتي كان يشيد بها الامام الابراهيمي متميزة في هذا الجانب ، كما ان مما يميزها انها تفهم النصوص الجزئية ضمن الادلة الكلية، التي هي المقاصد ، فهي لا تضرب بالمقاصد عرض الحائط بدعوى التمسك بالنصوص، لأن ذلك يفضي الى الظاهرية، ولا تهمل النصوص بدعوى الأخذ بالمقاصد.
ومن دهاء الامام الابراهيمي، رحمه الله، وسياسته انه سجل دار الحديث بأ سماء زهاء مئة و سبعين من المصلحين وابنائهم حتى لا تستطيع فرنسا ان تلحقها  بالاوقاف التي كانت تهيمن عليها.

ما رأيك في مستوى الخطاب الديني في الجزائر ؟

فيما أقدر، إن الخطاب الديني لم يرق إلى المستوى المأمول، سواء منه  الخطاب المسجدي أو غير المسجدي، وهذا لا يعني أنه ليس هناك من الخطباء والدعاة من هم على قدرمن العلم و المعرفة، وقدرة على التأثير في الجماهير، غير ان هذه الفئة العالمة المؤهلة تمثل الاقلية . أعتقد انه على وزارة الشؤون الدينية ، وجمعية العلماء وغيرها من الجمعيات و المؤسسات و الهيئات ذات الطابع الاسلامي ان تجتمع من اجل النظر في الاسباب التي تقعد  بهذا الخطاب دون المستوى الذي ينبغي ان يكون عليه حتى يتسنى لها ان تضع خطة واضحة المعالم، تتكفل برفع مستوى الخطاب الديني ،وهو أمر ممكن ان شاء الله.

دار صراع بين الوزارة والأئمة حول مسألة إنشاء نقابة، كيف تنظر للموضوع ؟

انا لست موظفا في القطاع، ورأيي يُلزمني وحدي، أقول  يُفترض ان يعطى الامام حقوقه كاملة من غير ان يطالب بها ، ولا بد ان يحظى برعاية خاصة ماديا ومعنويا ، فإذا كنا  نريد من الإمام ان يؤدي رسالته على الوجه الأكمل، وجب علينا أن نوفر له الأجواء العلمية التي ترفع من مستواه ، ونضع بين يديه كل ما يجعله على اطلاع بمحيطه، وأن نكفل له ما يضمن له الحياة الكريمة.
وعلى كل حال ، اذا كان الاخوة الائمة يرون انشاء نقابة فلهم ذلك، لكن ينبغي ان تكون نقابة الائمة متميزة تعمل على ترقية وظيفة الامام ورسالته من جميع جوانبها ، و الاخوة الائمة يعرفون جيدا ان الامة بحاجة الى ايجاد الرجل الذي يعرف حقه ولا يطلب اكتر منه، و يعرف واجبه فيؤديه على الوجه الاكمل ، وما  أظنهم الا قدوة في تقديم اداء الواجب على المطالبة بالحقوق.

ما ردك عن الحقوقيين المطالبين بإلغاء الإعدام مقابل دعوة شعبية لتفعيله ؟

في البدء اشير الى ان هناك من يحب ان يصور الاسلام على انه حدود وعقوبات ،والحق عكس ذلك ، فهي لا تمثل الا جانبا صغيرا من مساحة الاسلام الواسعة ، ان صح هذا التعبير، ومع ذلك نجد في سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – دعوة صريحة الى دفعها (الحدود ) ما وجد الى دلك سبيل ، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “ادرؤوا الحدود عن المسلمين  ما استطعتم ، فان كان له مخرج فخلوا سبيله ، فان الامام ان يخطئ في العفو خير من ان يخطئ في العقوبة” .
فالإسلام جاء ليربي الانسان على العقيدة الصحيحة، والفكر المستنير، والاخلاق السامية ، وعندما يسود الاسلام بهذه الصورة تكاد تنعدم الجريمة .
ومن درْء الحدود بالشبهات ان عمر- رضي الله عنه- لم يقطع يد السارق عام الرمادة(مجاعة).
وحتى عندما يثبت القتل ثبوتا يقينيا ويعترف القاتل على نفسه، ترك الاسلام باب العفو مفتوحا ان رضي بذلك اولياء الدم(اهل القتيل) بدية مغلظة او بدونها.
وبعد هذا اقول لمن يدافعون عن القاتل تحت مسمى حقوق الانسان ، الا يكون القتيل البريء ، -وقد يكون طفلا صغيرا، او  شيخا مسنا- ،  اولى بان يدافع عنه؟
ادعو هؤلاء الحقوقيين الى ان يوسعوا زاوية الرؤية ان كانوا  صادقين في دفاعهم عن حق الحياة ، واذكرهم بأن انحراف المخطئين والمجرمين لا يجوز ان يُسمح  له بان يتحول الى وباء يعصف بالامن الذي تسوء الحياة مع غيابه.
وخير ما اختم به هذا الرد الموجز قوله تعالى “ولكم في القصاص حياة يا أوْلي الالباب لعلكم تتقون”.

أفرز الربيع العربي مواقف متناقضة بين علماء الأمة فتاه عوام الناس ؟

بالفعل ، يلاحظ في المدة الاخيرة ان  آراء و فتاوى لعلماء بشان احداث ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، جاءت في غالبها متناقضة تناقضا بينا ، الشيء الذي افرز حيرة كبيرة لدى عوام الناس .
واحترامي الكبير للعلماء لا يمنعني من ان الاحظ أن اكثر هذه الفتاوى جاءت مستجيبة لمواقف سياسية بعينها  وقد يكون بعضها ناتجا عن ضغوط، وبهذا اصبح الدين في كثير من الحالات خاضعا للسياسة، بدل ان يكون هو الموجه لها.
فعلماء الاسلام يجب عليهم ، حتى وهم يختلفون ، ان يحافظوا على مستواهم الرفيع  من الاخلاق العالية ، والتورع عن ألفاظ الشتم والتضليل و التكفير ، و الاسلام يوجب عليهم ان يكونوا على قدر كبير من الاحتياط عندما يتعلق الامر بالدماء و الأرواح.

ما تعليقك على قضية مقتل الشيخ البوطي ؟

آلمنا كثيرا اغتيال الشيخ البوطي رحمة الله عليه.
عندما بلغنا نبأ اغتياله كان  المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين يعقد اجتماعه الدوري ببلدة المغيّر- ولاية الوادي-، فنزل علينا الخبر كالصاعقة، ولم يُهوّن من شدته إلا الرضا بقضاء الله وقدره، عندها أوقفنا الإجتماع وحررنا بيانا في الموضوع ، استنكرنا من خلاله الاغتيال .
اما موقف الشيخ البوطي مما يحدث في بلده سورية، نسال الله ان يلطف بها ، فتلك قناعته ،يوافقه فيها من يوافقه، ويخالفه من يخالفه .
لكن ما آلمنا أكثر من اغتياله ما قاله بعض المحسوبين على العلم والدعوة ممن هلّلوا وكبّروا لمقتله ووصفوه بأشنع ما قد يوصف به إنسان، فكيف بهذه الأوصاف أن تُسحب على رجل عالم أفنى عمره في العلم والدعوة إلى الله، ثم إن الرجل قتل داخل المسجد و هو يُدرس كلام الله تعالى . وأنا أتفاءل له بهذه الخاتمة.(نسال الله ان يغفر لنا وله). اقول لمن هللوا وكبروا لمقتله: ان كثيرا من مخالفيه داخل بلده تبرؤوا من عملية الاغتيال .
في الختام اقول: ان العقلاء عموما ، وطلبة العلم خصوصا، و العلماء بصفة اخص لا بد ان يكونوا حذرين فيما يقولون، والامور التي فيها تردد السكوت فيها اولى، ولا يعني هذا انني ادعو الى السكوت عن قول كلمة الحق .

يرى البعض بأن التيار السلفي يشكل خطرا على البلاد، ما صحة هذا الكلام ؟

هذا الرأي، بهذا الاطلاق ، لا يلزم إلا أصحابه.
أرى انه لا بد من ضبط المصطلح، فإذا كان المراد بالسلفية الاجتهاد في اقتفاء أثر السلف الصالح بدءا بالصحابة و التابعين و الأئمة المجتهدين، بكل مدارسهم، فهذه سلفية ينشدها كل مسلم مخلص لدينه، وهذا هو مفهوم السلفية عند جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ، لكن إذا كان الأمر تعصبا لمدرسة ما وإقصاء لبقية المدارس  فالكلام يتغير كلية.
إن تعد د الفهوم، وتنوعها داخل الإطار الشرعي، ظاهرة صحية عرفها المسلمون منذ عهد الصحابة، أما إقصاء الرأي الآخر، فهذا من قلة الفقه (الفهم ) وهو مفض الى الفرقة و التمزق ، وما احكم الامام ابن باديس حين قال ” اذا كان الكثير الذي نتفق فيه لا يجمعنا فلم يفرقنا القليل الذي نختلف فيه ”
أضيف في هذا الصدد فأقول: إن العمل على بعث المرجعية هو من أولى الأولويات ، ويكون ذلك بمشاركة الجميع ، فاختلاف التنوع لا يفسد للود قضية، من خلال قواعد سير يُتفق عليها، و من شذ عنها اقصى نفسه بنفسه .
وفي الختام أفتح قوسا لأقول: إن مشروع مفتي الجمهورية، إن تجسد على ارض الواقع، يكون خطوة نحو الأمام، لكنه وحده لا يحل مشكل المرجعية .

الفتاوى أصبحت تستورد من الخارج هل من قلة العلماء في بلادنا ؟

العلماء في بلادنا موجودون، و الحمد لله، اما استيراد الفتاوى من الخارج فاراه الى الموضة أقرب ، ان جاز أن أسميه كذلك، ولعله يصدق فينا و الحالة كذلك قول القائل “مغني الحي لا يطرب” و الأعجب أن مسائل بسيطة اصبح يستفتى فيها علماء موجودون على بعد آلاف الكيلومترات ، وقد يتعذر عليهم في كثير من الاحيان فهم مصطلحات جارية في لغتنا الدارجة ، ومعلوم أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، والعلماء مشكورون مأجورون، إن شاء الله، فقد علمنا ان من بينهم من يحيل السائل على علماء بلده .
ومع ما قلناه ، لا بد أن ننصف نسبة كبيرة من ابناء وطننا الذين يلجؤون الى علماء و فقهاء بلدهم في ما يعرض لهم من مسائل ، إيمانا منهم بان العارف بالواقع من الفقهاء أقدر على تنزيل الفتوى .فالفقه كما قيل  ” رخصة من ثقة اما التشدد فيحسنه كل أحد  ”
وفق الله الجميع لعمل الخير وخير العمل

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى