مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وغيابه – الذي أسال الكثير من الحبر، وأنتج مجموعة من الشائعات "المفبركة" والموجه للوصول إلى غايات مدروسة فتح الباب واسعا لتهلهل الوضع الداخلي الذي أصبح عبارة عن بركان هائج لا يعلم أحد متى ينفجر- لا قدر الله-، والغريب أن الحراك الوطني الإسلامي الحقيقي شبه غائب للمساهمة في توجيه البوصلة نحو إيجاد حل جذري ومحترم لتجنيب البلاد منزلقا خطيرا والعودة إلى نقطة الصفر لتعيش الجزائر مرحلة انتقالية أخرى ولكن بخزينة مملوء بمليارات الدولارات التي ما يزال لعاب الفاسدين في الداخل والخارج يسيل عليها..!
والعجيب أن هذه الصراعات في دوائر صنع القرار قد امتدت إلى "إعلامنا" الذي كان من المفروض أن يكون عين الشعب الحارسة لمصالحه، ولكن تبين حقا أن كثيرا من وسائل الإعلام المكتوب والمرئي ما هي إلا أداة تابعة لخدمة مصالح بعض الجهات النافذة وغير معنية للأسف بالصالح العام…
ولعل أغرب ما طالعتنا عليه بعض هذه الوسائل الإعلامية هي لغة "التخوين" التي تتحدث بها في تقاريرها المكتوبة تارة والمرئية تارة أخرى، ووصف كل معارض للنظام -حتى بالقانون الذي وضعه هو نفسه- بأنه "انقلابي" أو يسعى لضرب الوحدة الوطنية، والعجيب أنها أدخلت في الكيس حتى أصدقاء النظام الذين كانوا متحالفين معه بالأمس، فأصبحت مسألة "التخوين" مسألة بسيطة لكبح انطلاقة أي محاولة جادة للتغيير السياسي بعيدا عن الفوضى والفتن ما ظهر منها وما بطن..!
من حق كل الجزائريين أن يخافوا على وطنهم ويقلقوا على حاضرهم ومستقبلهم، ومستقبل الأجيال القادمة، ومن حقهم أيضا أن يتحركوا أمام أعين الناس جهارا نهارا ليقترحوا الحلول التي تجنب الجزائر أي رجوع إلى الدائرة السوداء المغلقة التي مرت بها وأهلكت الحرث والنسل وأصبح دم الجزائري رخيصا…وإنه لإرهاب إعلامي أن تُرفع "عصى التخوين" لترهيب الناس وثنيهم عن أي حراك يخدم المصلحة الوطنية ويرفع الغبن عن شريحة عريضة من الجزائريين الذين يعيشون أوضاعا اجتماعية مأسوية-وقد كشفت عن جزء صغير منها الفيضانات الأخيرة- في غياب شبه كلي للدولة..!
إن الجزائر في هذا الوقت تعيش مرحلة فاصلة إما أن تنطلق نحو المستقبل بعقلية سياسية جديدة تُحترم فيها الحريات وتؤسس للحياة الديمقراطية الحقيقية حيث يكون الخيار السيد للشعب في انتخاب حكامه، وإما تعود إلى عنق الزجاجة لتبحث عن مخرج يقرره "الرويبضة" وتحدده الأجندات الأجنبية والمصالح الخارجية..!
الجزائر و"البزنزة السياسية" في زمن الرويبضة..!/أ.كمال أبوسنة
"البزنزة" بمستقبل الجزائر والجزائريين أصبح واضحا للعيان إلا من كان أعمى البصر والبصيرة، وجعل أصابعه في آذانه حتى لا يسمع الصيحات المدوية الداعية إلى رهن المصلحة العامة في سبيل إنقاذ المصلحة الشخصية في صراع عنيف بين دوائر مختلفة وجدت الوقت مناسبا للسير في إستراتيجية " الهجوم خير وسيلة للدفاع"..!