الحدث
الدستور المقبل ومقومات الأمة (1)/الدكتور عمار طالبي
دستور كل أمة يعبر عن مقوماتها وإرادتها، لا عن هوى فئة أو إرادة طائفة معيّنة، لها أيديولوجيتها الخاصة.
قد أوكل الأمر إلى لجنة تطبع دستورا لا ندري ماذا يغلي في قِدرِها، وماذا تهيئ من مواد، وما طبيعة هذه المواد، فالدستور معيار تشريعي أعلى، ومنه تشتق المنظومة التشريعية والسياسية، وعلى الناس أن يسلكوا طبقا لأحكامه ومبادئه، والقانون لا يعبر عن الإرادة العامة إلا في حدود احترامه للدستور، ولذلك فإنه يستند إلى ما يعبّر عنه بقوة في رقابة صارمة لمدى دستورية هذه القوانين، وعدم مناقضتها له.
فالدستور هو المذهب الرسمي لفلسفة التشريع والسياسة للدولة، وبهذا الاعتبار يعيش المواطنون في دولة القانون.
أما أن تختزل القوانين في مجرد الأوامر التي يقوم بها المشرع، فإنها تفقد قوتها الشرعية، ففي ذلك ردّ المعايير التشريعية إلى أوامر المشرع السياسي، ولا يمكن أن يفهم من هيمنة السياسة أنها سلطة تشريعية، فإذا وضع القانون تحت تصرف الأهواء السياسية فإنه يفقد شرعيته تماما، وإذا أصبحت الشرعية نتاجا للسياسة نفسها فإن هذا اختلال في مفاهيم السياسة، والقانون معا.
ولا يمكن في تصورنا أن تستند مبادئ الدستور وما يتفرّع عنه إلى غير القيم الأخلاقية باسم الحرية الشخصية، وفلسفة التشريع بالنسبة لأمتنا هي مقاصد الشريعة وغاياتها القصوى، ومنها أولوية العدالة على كل القواعد الوضعية، ولا يمكن لأي دستور محترم، ولا قانون أن ينفصل عن العدالة أو يتخلى عنها، وهي في ذاتها قيمة أخلاقية.
ولا شك في وجود التوافق بين الطبيعة أو الفطرة والشريعة، فلابد من وازع يردع الطبيعة إذا انحرفت، لأن وازع السلطان أقوى في الردع من وازع القرآن إذا لم يستند إلى من يكف الظالم عن ظلمه.
ولا يمكن للأمة أن تتخلى عن ذاتيتها وشريعتها وإذا وقعت محاولة ذلك، فإن ما يحدث من اضطراب لا تدري ما قيمته.
فمقاصد الشريعة تحرص كل الحرص على حفظ النفوس وكرامة الإنسان، وحقه في الحياة، وحفظ أموال الأمة، ويقول الشيخ الجليل ابن باديس: "مال المرء كقطعة من بدنه، ويدافع عنه كما يدافع عن نفسه، وبه قوام أعماله في حياته"، فالأموال مقرونة بالنفوس كما ورد في خطبة حجة الوداع: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام".
والشرعية مرتبطة بالمصالح، والصالح العام يؤكده القرآن، كما يؤكد دفع المفاسد وتقديم دفعها على جلب المصالح.
وفي المذاهب الفقهية الواسعة ما يبعدنا عن الانغلاق في مذهب واحد والتعصب له، كما يقول الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، فالفقهاء والقانونيين يجب أن يكونوا كما يقول: "ينظرون إلى الدنيا من مرآة الإسلام الواسعة لا من عين المذهب الضيقة"(1).
ومن هذه المقاصد مقصد الحرية، يقول: "حق كل إنسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية، المتعًدَّى عليه في شيء من حريته، [هو] المتعَدَّى عليه في شيء من حياته"(2)، "وما شرع لهم الشرع إلا ليعرِّف بني آدم كيف يحيون أحرارا، وكيف يأخذون بأسباب الحياة والحرية، وكيف يعالجون آفاقها، وكيف ينظمون تلك الحياة، حتى لا يعدو بعضهم على بعض، وحتى يستثمروا تلك الحياة وتلك الحرية إلى أقصى حدود الاستثمار"(3).
الهوامش:
(1) ابن باديس حياته وآثاره، ج3، ص183.
(2) المصدر نفسه، ج3، ص480-481.
(3) المصدر نفسه، ج3، ص481.
قد أوكل الأمر إلى لجنة تطبع دستورا لا ندري ماذا يغلي في قِدرِها، وماذا تهيئ من مواد، وما طبيعة هذه المواد، فالدستور معيار تشريعي أعلى، ومنه تشتق المنظومة التشريعية والسياسية، وعلى الناس أن يسلكوا طبقا لأحكامه ومبادئه، والقانون لا يعبر عن الإرادة العامة إلا في حدود احترامه للدستور، ولذلك فإنه يستند إلى ما يعبّر عنه بقوة في رقابة صارمة لمدى دستورية هذه القوانين، وعدم مناقضتها له.
فالدستور هو المذهب الرسمي لفلسفة التشريع والسياسة للدولة، وبهذا الاعتبار يعيش المواطنون في دولة القانون.
أما أن تختزل القوانين في مجرد الأوامر التي يقوم بها المشرع، فإنها تفقد قوتها الشرعية، ففي ذلك ردّ المعايير التشريعية إلى أوامر المشرع السياسي، ولا يمكن أن يفهم من هيمنة السياسة أنها سلطة تشريعية، فإذا وضع القانون تحت تصرف الأهواء السياسية فإنه يفقد شرعيته تماما، وإذا أصبحت الشرعية نتاجا للسياسة نفسها فإن هذا اختلال في مفاهيم السياسة، والقانون معا.
ولا يمكن في تصورنا أن تستند مبادئ الدستور وما يتفرّع عنه إلى غير القيم الأخلاقية باسم الحرية الشخصية، وفلسفة التشريع بالنسبة لأمتنا هي مقاصد الشريعة وغاياتها القصوى، ومنها أولوية العدالة على كل القواعد الوضعية، ولا يمكن لأي دستور محترم، ولا قانون أن ينفصل عن العدالة أو يتخلى عنها، وهي في ذاتها قيمة أخلاقية.
ولا شك في وجود التوافق بين الطبيعة أو الفطرة والشريعة، فلابد من وازع يردع الطبيعة إذا انحرفت، لأن وازع السلطان أقوى في الردع من وازع القرآن إذا لم يستند إلى من يكف الظالم عن ظلمه.
ولا يمكن للأمة أن تتخلى عن ذاتيتها وشريعتها وإذا وقعت محاولة ذلك، فإن ما يحدث من اضطراب لا تدري ما قيمته.
فمقاصد الشريعة تحرص كل الحرص على حفظ النفوس وكرامة الإنسان، وحقه في الحياة، وحفظ أموال الأمة، ويقول الشيخ الجليل ابن باديس: "مال المرء كقطعة من بدنه، ويدافع عنه كما يدافع عن نفسه، وبه قوام أعماله في حياته"، فالأموال مقرونة بالنفوس كما ورد في خطبة حجة الوداع: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام".
والشرعية مرتبطة بالمصالح، والصالح العام يؤكده القرآن، كما يؤكد دفع المفاسد وتقديم دفعها على جلب المصالح.
وفي المذاهب الفقهية الواسعة ما يبعدنا عن الانغلاق في مذهب واحد والتعصب له، كما يقول الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، فالفقهاء والقانونيين يجب أن يكونوا كما يقول: "ينظرون إلى الدنيا من مرآة الإسلام الواسعة لا من عين المذهب الضيقة"(1).
ومن هذه المقاصد مقصد الحرية، يقول: "حق كل إنسان في الحرية كحقه في الحياة، ومقدار ما عنده من حياة هو مقدار ما عنده من حرية، المتعًدَّى عليه في شيء من حريته، [هو] المتعَدَّى عليه في شيء من حياته"(2)، "وما شرع لهم الشرع إلا ليعرِّف بني آدم كيف يحيون أحرارا، وكيف يأخذون بأسباب الحياة والحرية، وكيف يعالجون آفاقها، وكيف ينظمون تلك الحياة، حتى لا يعدو بعضهم على بعض، وحتى يستثمروا تلك الحياة وتلك الحرية إلى أقصى حدود الاستثمار"(3).
الهوامش:
(1) ابن باديس حياته وآثاره، ج3، ص183.
(2) المصدر نفسه، ج3، ص480-481.
(3) المصدر نفسه، ج3، ص481.