لقاءات ومحاضرات في أسبوع العلم/أ.د مولود عويمر

وهذا ما يعبر عن تعلق غالبية الجزائريين بمشروعه الحضاري واعترافهم بجهود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في خدمة الدين واللغة العربية والوطن. وهذه السنة الحميدة جديرة بالتشجيع المعنوي والدعم المادي والترشيد لتكريس قيمة أساسية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية وهي: العلم النافع هو أساس النهضة. وقد حرصت في كل محاضراتي التي قدمتها هذا الأسبوع في مناطق متعددة إحياء لذكرى الإمام ابن باديس على طلب العلم وتتويجه سلطانا نحتكم إليه في كل أعمالنا الدنيوية، وضرورة تقدير العلماء وإشراكهم في مسيرة التنمية والبناء الحضاري لضمان مستقبل أفضل.
في اتحاد الكتاب
نشطنا يوم السبت 13 أفريل صحبة مجموعة الأساتذة ندوة صحفية بمقر إتحاد الكتاب الجزائريين كشفنا من خلالها عن مشروع تكتل ثقافي بين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وإتحاد الكتاب وجمعية الجاحظية. وقد توجت الاجتماعات المتعددة بإنشاء تنسيقية النشاطات الثقافية بين الجمعيات الثلاثة.
واتفقنا على تنظيم ندوة شهرية تتناول بالدراسة والتحليل مكانة العلم والعلماء في المجتمعات الإسلامية في التجربة التاريخية والواقع المعاصر والمستقبل. وتنظم ندوة كبرى في بداية شهر جويلية للحوصلة والتقييم. وتشجيعا للباحثين الشباب في مجال الثقافة والفكر قررت التنسيقية منح جائزة سنوية خلال هذه المناسبة لمفكر وباحث متميز في المجال المعرفي السابق.
قناة القرآن الكريم تكرم العلم والمعلم
شاركت في المساء في حصة ثقافية في القناة القرآن التلفزيونية حول قيمة العلم والمعلم في مجتمعنا المعاصر. فقلنا أن الرسول (ص) القائد الأول للمجتمع الإسلامي في المدينة المنورة حرص منذ فجر الدولة الإسلامية على تكريس مبدأ التعليم واجب كل فرد. ووظف في سبيل تحقيقه كل الوسائل المتاحة واستفاد من كل الفرص من أجل تجسيده على أرض الواقع. ولعل لأبرز مثال على ذلك الاتفاق مع الأسرى على تعليم المسلمين مقابل تحريرهم.
وواظب الخلفاء المسلمون عبر العصور على الاهتمام بالعلم والعلماء في كل الظروف، فمنهم من فرط في قيم العدل والمساواة وغيرها إلا أن واحدا منهم لم يفرط في خدمة العلم وتوفير شروط التعليم ببناء مؤسساته وتشجيع الطلبة على طلبه ومكافأة العلماء على نشره بالطرق المختلفة.
ومقارنة بين معلم الأمس واليوم، قلنا أن التحديات تضاعفت ومن أبرزها أن مصادر المعرفة تنوعت وتكاثرت بسرعة يصعب التحكم فيها إذا لم يهيئ لها المعلم لمواجهتها بالتكوين المستمر المتلائم مع متطلبات التعليم المعاصر.
في المدية
نزلت والأستاذ يحي حفيد الشيخ أبي اليقضان ضيفاً على دار الثقافة لمدينة المدية يوم الأحد 14 أفريل للمشاركة في ندوة عن هذا المصلح الكبير. كان الشباب والطلبة يمثلون غالبية الحضور. فقررت أن أركز في مداخلتي على شباب الشيخ أبي اليقضان لعله يكون لهم قدوة، فتحدثت عن وتفوقه الدراسي وحيويته الدائمة في الجزائر وتونس وعزيمة القوية على النجاح في مشواره الصحافي متحديا كل المعوقات المادية ومظالم الاستعمار الذي صادر كل جرائده الثمانية بين 1926 و1938.
أما الأستاذ يحي قدم شهادة حية عن جده الذي لازمه عدة سنوات في الجزائر العاصمة والقرارة في ولاية غرداية. أكد المتحدّث على أن جده كان دقيقا في تنظيم وقته وإنجاز أعماله المختلفة. ولم يمنعه عمله الصحفي ونشاطه العلمي من الاهتمام بأسرته والاشتغال بالفلاحة التي كان يعشقها.
وبعد التعقيبات والرد على أسئلة الطلبة، قدّم الأستاذ عبد القادر الأطرش هدايا رمزية للمحاضرين، وكان من نصيبي الأعمال الكاملة للمؤرخ المعروف الدكتور عبد الحميد حاجيات.
في مسجد الطلبة ببوزريعة
استجابة للجنة مسجد الطلبة بجامعة بوزريعة، قدمت يوم الاثنين 15 أفريل محاضرة عن الشيخ عبد الحميد بن باديس وعلاقته بطلبته. قلت في البداية أن ابن باديس كان طالبا متفوقا وقريبا جدا من أساتذته في قسنطينة خاصة مع الشيخ حمدان الونيسي وفي تونس مع الشيخ محمد النخلي والشيخ محمد الطاهر بن عاشور والأستاذ بشير صفر. وليس أدل على تفوقه حصوله على المرتبة الأولى في دفعته التي ضمت 83 مترشحا منهم 12 ناجحا كلهم تونسيون باستثناء إبن باديس.
اهتم ابن باديس بطلبته من كل النواحي إذ لم يقتصر اهتمامه على التدريس بل سهر على حياتهم اليومية والاجتماعية من توفير كل شروط الدراسة من خلال تأسيس صندوق الطلبة الذي شغله حيثما وجد ورحل. فقال أنه كان خلال رحلته إلى فرنسا في الباخرة مهموما بهذا الصندوق في الوقت الذي كان رفقاؤه في الرحلة مهتمين بجمال البحر وذكريات الماضي.
وكان ابن باديس بفراسته يكتشف المواهب وينتقي النجباء ليكلفهم بمهمات خاصة ويحضرهم للمستقبل. وكان من أهمها: الخطابة، مساعدته على التدريس في الجامع الأخضر، الاشتغال بالصحافة بالكتابة والتجول عبر الوطن للترويج لمجلة الشهاب وجمع الاشتراكات لها، مرافقته في رحلاته عبر الوطن وتكليفهم بكتابة تقرير عنها….الخ. كما كان يبعث النجباء إلى جامع الزيتونة لمواصلة دراساتهم ويستقبلهم استقبالا خاصا بعد تخرجهم وينشر أسماءهم وصورهم في مجلة الشهاب تحت عنوان: “نجوم الجزائر”. ويحرص على الاستفادة من علمهم بتكليفهم بالتعليم في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
في قسنطينة
أشارك للمرة الثانية في الملتقى السنوي لمؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس المنعقد في قسنطينة يوم 16 أفريل. وقد شارك أيضا في هذه المناسبة العلمية نخبة من الباحثين كمحمد الهادي الحسني ومحمد القورصو ومحمد أرزقي فراد وغيرهم. وتحدثت عن الفكر الثوري عند الشيخ عبد الحميد بن باديس. فهو كان بحق مفكرا ثوريا منذ انطلاق جريدته المنتقد في عام 1925 التي وضع لها شعارا رمزيا: ” الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء.”
لقد كان في بداية مساره الإصلاحي وفيا لمدرسة الإمام جمال الدين الأفغاني غير أن التجربة المتراكمة وإصرار الإدارة الاستعمارية على محاصرة نشاطه جعله يلين أحيانا في خطابه خاصة بعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وتضاعف المسؤوليات حرصا على المكاسب وتجنبا للمضايقات على الطلبة والمعلمين الذين لا يحصلون على رخصة التعليم أو فتح مدرسة حرة إلا بشقّ الأنفس.
وبرزت ثورية ابن باديس في سنواته الأخيرة بعد فشل مساعي المؤتمر الإسلامي، وإصدار قرار 8 مارس الذي منع فتح مدرسة بدون رخصة ومراقبة المدارس الحرة الموجودة وإعطاء الإدارة الاستعماريّة حقّ إغلاق أي مدرسة حرّة واعتقال معلميها وطلبتها. فراح خطابه يشمل مفردات الضجر، المغامرة، التضحية، اليأس…الخ.
في جامعة الجزائر
شاركت في الملتقى الوطني حول المشروع النهضوي والمسار التاريخي في الجزائر” الذي نظمه مخبر مشكلات الحضارة والتاريخ في الجزائر الذي يشرف عليه الدكتور لخضر شريط.
في بداية ورقتي عن أسس النهضة عند الشيخين عبد الحميد بن باديس ومبارك الميلي بيّنت العلاقة التي تجمع بين الأستاذ وتلميذه اللذان عاشا نصف قرن، خصصا ثلثيه لطلب العلم وتدريسه. وانطلقت من نصوص أساسية للعالمين، منها محاضرة لابن باديس في تونس حول النهضة الجزائرية ومقالين للشيخ الميلي في جريدة “المنتقد” عنوانهما: “العقل الجزائري في خطر” و”هل نحن في بداية نهضة’”.
يرى الشيخان أن النهضة لا تنطلق إلا بالعلم النافع والعالم الصالح، ولم يستثنيا في طلبه أو تعليمه الرجل أو المرأة. فالمجتمع كله مطالب بالتعلم. وقد كتب في هذا الشأن الشيخ مبارك الميلي مقالا نفيسا في مجلة الشهاب في سنة 1936 دافع فيه عن حق المرأة في التعليم كما فعل من قبل أستاذه إبن باديس الذي فتح مدرسة التربية والتعليم للبنات.
ولا تستقر النهضة إلا بالحفاظ على مقومات المجتمع التي تتمثل في الدين واللغة والهوية والتاريخ والمصير المشترك. ولهذا تفرغ الشيخ ابن باديس ومبارك الميلي لـتصحيح العقيدة وإحياء السنة ونشر التعليم العربي واستقدام التاريخ لاستلهام العبر وتبصير العقول وتنوير النفوس لتحريرها من الاستعمار في أشكاله المختلفة.