مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
تحاليل وآراء

إنّما اللسان انتساب إلى الأوطان/د.عبد الحفيظ بورديم

أكثر الناس أضاعوا معنى اللسان لمّا أضاعوا وظيفة البيان، وإنّما تغوّلت عليهم الأخطاء لمّا جهلوا أنّ كلّ لسان هو انتماء. ولمّا غفلوا عن الصواب استبدلوا الحداثة بالانتساب، فكانوا مثلا سيئا لمن ينسلخ من جلده ووشما منكرا لمن يأتي من بعده.

ولو عقلوا لنظروا ثمّ سألوا: لولا أنّ اللسان انتساب إلى الأوطان وحفظ للذاكرة والوجدان، هل كانت فرنسا لتخرج قانون شوطان، لتمنع تعليم العربية وتعدّه دعوة إلى الوطنية؟ وهل أخرجت قانون الظهير البربري إلاّ لتفتن ما ببين الجزائري والجزائري؟

قد كانت دوائر الاستكبار تعرف ما بين الانتماء واللسان من أسرار، وأيقنت أنّه لن يستقيم لها مسخ الشعب إلاّ إذا نزعت الإيمان بالعربية من القلب، فسعت سعيها ونشرت جندها تخوّف بهم آباءنا وتعذّب بهم علماءنا، ظنّا منها أنّ العربية إذا ماتت في الاستعمال مات الايمان في صدور الرجال، وكاد الأمر يستتبّ لها لولا أنّ الله ردّ بقدره مكرها.

وأدركت جمعية العلماء أنّ بداية التحرير لا تكون إلاّ باستعادة صفاء الشعور ونقاء التفكير وجمال التعبير، فجعلت الثوابت الثلاثة شعارها وجعلت معاداة الفرنسية جهادها. فأقامت جرائدها وجلّلتها بفصاحة أبنائها، وفتحت مدارسها حيث علّمت أبناءها، وزيّنت بالبلاغة منابرها، وملأت النوادي قصائد شعرائها.

ما كان العلماء قوميين بل كانوا ربانيين، فيهم ابن باديس الصنهاجي وفيهم الإبراهمي الإدريسي، وقد تآلفا على حبّ الجزائر وتعاهدا على دفع الغادر، فرفعا – وأصحابهما- بيان العربية وحقائق الاسلام حتى صارا من الأئمة الأعلام. يذكران إذا ذكرت سير الأبطال الصادقين، وتروى أخبارهما إذا رويت أخبار العلماء العاملين.

وأخشى أن يكون خلفهما قد أضاع عهدهما بعد أن نسي جهادهما. أليست العربية عندنا كالغريبة بين أبنائها؟ أفسدوا النطق بها حين خلطوا كلماتها بكلمات ضرّة لها، وأضرّوا بها حين جعلوا أختها الأمازيغية عدوّة لها، واتّهموها بالقصور حين أهملت الإدارات استعمالها، وبالغ التجار في إهانتها لمّا أعرضوا عنها وجعلوا الفرنسية بديلا لها.

لو صحّ منا الانتساب إلى ديننا لجعلنا بيان العربية لسان تخاطبنا، ولو صحّ من مسؤولينا الانتساب إلى جزائرنا لجعلوا العربية عنوان سيادتنا، ولو صحّت منّا معاداة الاستكبار لانتصرنا إلى منهج علمائنا، ولو صحّ منا العزم لبدا علينا الحزم.

فيا من أوكلت إليكم كتابة الدستور، قد حمّلتم أمانة حفظ مكاسب التحرير، فاجعلوا الإسلام مصدر تشريعنا وأنزلوا العربية موضع سيادتنا، وجرّموا من تطاول عليهما أو أساء إليهما، فإنّهما رمز انتمائنا وإن ضاعا منّا فقدنا عزّتنا. وإنكم لمسؤولون، ويوم القيامة محاسبون.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى