كيف تجنبي طفلك بذاءة اللسان؟؟/أم محمد الأخضر

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يولد المولود على الفطرة وأبواه يهودانه أو ينصرانه
أو يمجسانه”
ما يحمله هذا الحديث من دلالات جمة ولطيفة، أن أطفالنا كالورقة البيضاء، بما تحمله قلوبهم الندية، وما تحمله ألسنتهم النقية.
الكثير من الأسر هداهم الله، لا يهنأ لهم بال إلا إذا سمع ابنه أو ابنته يتلفظ بكلمات نابية جارحة، وفي بعض الأحيان غير أخلاقية تماما، وتجدهم في قمة السعادة والفرح، لأن ابنهم أصبح رجلا، وقويا، وله كرامته، ويستطيع أن يدافع عن نفسه، ومن الأسر الأخرى كذلك من تجده محرجا وقلقا لما يسمعه من ابنه أو ابنته من كلمات غير أخلاقية وبذيئة.
وإنه والله ليحز في النفس أن نرى الأطفال لم يبلغوا سن التمييز بعد، وهم يقذفون من أفواههم كلمات لا يعرفون معناها ولا قيمتها من سب وشتم، وما يحز في النفس أكثر، أنه بعد سماع هذه الألفاظ النابية، تجد الأهل يضحكون، ويستحسنون، ويهنئون هذا الطفل البريء على بذاءة ألفاظه، وسلاطة لسانه، فترى المسكين يعاود ذلك الكرة بعد الأخرى، للتشجيع الذي تلقاه، ليصبح بعد ذلك هذا هو منطقه، في الحديث حتى مع والدته أقرب الناس إليه…
ولا شك أن هؤلاء الأولياء حتى إن أرادوا بعد ذلك إصلاح هذا اللسان وتطهيره من تلك الآفات يجدون صعوبة كبيرة، بعدما تكون هذه الألفاظ قد رسخت في ذهن الطفل، وذلك بعد ما يجدون أنفسهم محرجين أمام الأقارب والأحباب والأصدقاء أو حتى الغرباء…
إن هذا الطفل كما ذكرنا سالفا عندما وعى هذه الدنيا فإن لسانه لم يكن يعرف هذه الكلمات النابية البذيئة، فالأكيد أنه سمعها من الشارع أو من الروضة، أو من المدرسة، أو من منزله أو إخوته، لأن محيطه يوجد فيه الخلوق وغير المتخلق، فلا يستطيع الآباء أن يوفروا لأبنائهم محيطا ليس فيه هذه الشاكلة من المعوقات…. فالقوامة لهذا اللسان تكون أولا من البيت الذي ترعرع فيه، وبعدها لا بد من الوقاية وهي كما يقول المثل خير من العلاج، ومن زرع حصد.
وعلاج ذلك يعود إلى مرحلة الابن العمرية، فإذا كان في سنواته الأولى، فهَوِّلي من أمر صنيعه وشنعي فعله، وأبدي الأسف الشديد تجاهه متى نطق بها.
وفي المرحلة التالية، لا بد أن تستخدم الأم أسلوب الترهيب والترغيب، هدديه بالحرمان، ورغبيه في أمر يحبه، واهتمي كثيرا بتأسيس ركيزة دينية لهذه القضية
في نفسه، بتخويفه من غضب الله والنار، وترغيبه في الجنة ووصف نعيمها له، وتقوية جانب الإحسان لديه بمراقبة الله عز وجل، كأن تقولين: إن الله يسمعك ويغضب من كلامك.
حاولي دائما أن تقربي شناعة الأمر لعقله بضرب الأمثلة الحسية، فهو في مرحلة لا يعرف بعد فيها تقدير القيم والأخلاق والمبادئ، فيحتاج إلى تشبيه وتمثيل، قولي له مثلا: كما تحب أن يكون ثوبك نظيفا، فليكن لسانك نظيفا أيضا، واحكي له قصصا تجسد كل مبدأ تودين أن تزرعيه في نفسه.
وقد تلاحظين استفزاز الطفل وعناده لك بنطق الكلمات النابية، فلا تبدي فورا التذمر والقلق له، فهو لا يريد إلا لفت نظرك وجذب اهتمامك إليه، فعليك إذن التنويع في أساليب مواجهتك لفعله غير السوي، تجاهليه يوما، وعظيه يوما، واحرميه يوما، وهكذا، كي لا يربط بين اهتمامك الشديد وتلفظه بهذه الكلمات أمامك.
وإن حدث وسمع طفلك شخصا كبيرا يقذف بالكلمات الشنيعة، وأبدى تعجبا، فوافقيه على إنكار ذلك، ورسخي في نفسه أن الحق أكبر من الجميع، وقد يقع في الخطيئة كل واحد، وحاولي أن تجعليه يستقل بشخصيته عن التقليد والتبعية إلا للمثل الأعلى، رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحذر من تبرير أخطائه، بوقوع الناس في الأمر ذاته.
ليحاول الأبوان ما وسعهما ذلك، أن يتلفظا حتى في وقت الغضب بكلمات طيبة، حتى تزرع تلك الألفاظ في ذهون أطفالهم، وحتى لا تنشغل ألسنتهم النقية بالباطل والاثم.