ما هي دلالات تفشي الجريمة في المجتمع الجزائري…./الأستاذ: محمد العلمي السائحي
ليس من شأن الجريمة أن تظهر وتنمو وتنتشر ويتسع نطاقها فجأة ودونما أسباب ومؤثرات تمكن لظهورها، وتهيء لها الظروف والعوامل المساعدة لها على البقاء والنمو والانتشار، كما أنه ليس من شأن الجريمة أن تزول وتختفي من تلقاء ذاتها، بل يتطلب زولها واختفاؤها توفر العديد من العوامل، وتظافر الكثير من الجهود، والمساهمة القوية والفعالة لقطاعات الدولة والمجتمع المعنية بالتصدي للجريمة ومكافحتها، والتنسيق التام والكامل بين جهودها في محاربتها، ومن المعلوم بالضرورة عند عقلاء الناس وأهل الرأي، أن الجريمة هي من مفرزات التخلف، والفقر، والصراع السياسي والاجتماعي، وضعف الدولة خصوصا.
وإذا نظرنا إلى الجريمة بشتى أنواعها ومختلف أشكالها في الجزائر، سنجد أن كل الدواعي والظروف تجعل ظهور الجريمة واستفحالها أمرا منطقيا، فهناك بطالة منتشرة تقول الأرقام الرسمية أنها بلغت عشرة في المائة، بينما الواقع الاجتماعي يشير إلى أنها أعلى من ذلك بكثير، وما ظاهرة (الحرقة) و(احتجاجات الجنوب ) إلا دليل على ضغط البطالة على الإنسان الجزائري، وهناك صراع سياسي حال بين الدولة وبين التفرغ لتنمية اقتصادية فعالة، ومما يشير إلى هذا الصراع ويؤكده، التشرذم والانقسام الذي عرفته الأحزاب السياسية الكبرى والصغرى منها في الجزائر، وهناك تنامي سريع وواضح لطبقة الفقراء في الجزائر، فما ظهور الأحياء القصديرية حول المدن وتكاثرها، وتفشي ظاهرة التسول، وتنامي ظاهرة تشغيل الأطفال، واحتراف ترويج المخدرات، والسرقة وانتشار المشردين في شوارعنا إلا دليل على ذلك، وهناك صراع اجتماعي يدل عليه اتساع نطاق ظاهرة الطلاق، والهروب من المنزل، ، والاعتداءات المتكررة لعصابات السيوف، وصدام الأحياء…
ومن أبرز ما يستوقفنا من دلالا ت لانتشار الجريمة في الجزائر، أنها تشير بوضوح إلى تراجع واندحار فكري رهيب، يدل عليه احتراف إطارات فكرية للجريمة، كالطبيب والأستاذ، والمحامي، والموظف، إذ الأصل هو أن الفرد كلما ارتقى مستواه التعليمي، كلما كان أبعد عن الانحراف وأقرب للاستقامة، و أقدر على التمييز بين الصواب والخطأ، والجائز وغير الجائز، ومن دلالاتها كذلك أنها تشير بوضوح تام إلى ضعف ظاهر في منظومة قوانينا الردعية، ويدل عليه أن المسبوقين قضائيا يعودون إلى اقتراف الجرائم من جديد، ولا يمتنعون عنها، في حين أنه يفترض في العقوبة الردعية أن تكون مانعة للفرد من العودة إلى الفعل الذي عوقب عليه، وهي تدل كذلك على انهيار القيم الضابطة للسلوك الاجتماعي، ويدل على ذلك العنف الموجه ضد الأصول والفروع، انحراف بعض رجال الدين والتربية والعلم والقانون، ومن دلالاتها عدم فعالية المنظومة التربوية التعليمية المعتمدة، ومما يدل على ذلك أن هناك نسبة جد مرتفعة من بين خريجي هذه المنظومة من محترفي الإجرام.
ومن دلالاتها أنها تشير إلى تراجع هيبة الدولة عند الفرد، فحينما تكون الدولة مهابة تنحسر دائرة الجريمة في المجتمع، ولا يقدم عليها الفرد إلا تحت ضغط عوامل وظروف قاهرة لا سلطان له عليها، أما إذا احترفها الكبير والصغير والمرأة والرجل، والرفيع والوضيع، فذاك يدل على ضعف سلطان الدولة على المجتمع لامحالة.
وهكذا يغدو من الضروري في التصدي للجريمة، أن نأخذ بعين الاعتبار في استراتيجية مقاومتها الأسباب الممكنة لها، والدلائل التي تشير إليها، والنتائج التي تتمخض عنها، مع الحرص كل الحرص على التنسيق الفعال بين جهود كل القطاعات ا لرسمية والاجتماعية في محاربتها ومقاومتها.