المؤامرة على مستقبل التغيير في العالم العربي..!/أ.كمال أبوسنة

عاشت الشعوب العربية منذ أكثر من نصف قرن تعاني من تسيير أنظمة جبرية لا تؤمن بالشورى ولا بالمشاركة السياسية ولا بالتداول على السلطة سلميا، وجعلت رأي الفرد أو رأي مجموعة من المتنفذين في رأس الدولة هو الرأي المطلق الذي لا يجوز مخالفته حتى وإن كانت أغلبية الشعب رافضة له، وقد نتج عن سياسات هذه الأنظمة الجبرية إفلاس رهيب على كل المستويات وفي جميع الميادين مما زاد في إرهاق المواطن البسيط الذي يلهث وراء لقمة العيش ويحلم بالحياة السعيدة التي لم يصل إليها إلا شرذمة قليلة من المتسلطين وأعوانهم من الكبراء تجار سوق النخاسة السياسية، ومن سار خلفهم من رجال المال والأعمال..!
لقد كانت الثورات التي اصطلح عليها بـ»الربيع العربي» نتيجة متوقعة بعد الضغط الكبير الذي ولّد الانفجار المفاجئ لبعض الأنظمة العربية الديكتاتورية فسقطت سقوطا سريعا فتبين للشعوب العربية أن هذه الأنظمة تشبه إلى حد كبير قلعة عظيمة مبنية من الرمال على شاطئ البحر لم يصل إليها الموج الأول حتى تداعت أركانها، وتبين أيضا أن هذه الأنظمة المتفرعنة حين كفرت بها الأنظمة الغربية التي كانت تساندها وتدعمهالم تعد تقوى على الصمود في وجه ثورة الشعوب..!
كنت في مقال سابق أيام سقوط النظام المصري قد أشرت إلى أن الأنظمة الجبرية في عالمنا العربي مصنوعة من كرتون لا يصعب على الشعوب إسقاطها حتى وإن قاومت بعض الوقت، ولكن أعظم تهديد سيقف في وجه هذه الثورات بعد سقوط الأنظمة الجبرية هو صناعة الحياة الديمقراطية الحقيقية والانضباط في الممارسة السياسية التي تقبل بخيار الشعب مهما يكن..!
ولكن الظاهر كما هو في الحالة المصرية مثلا أن الغرب وبعض العرب من وراء حجاب والعلمانيين وخصوم الإسلاميين في مصر يؤمنون بـ»ديمقراطية» غير الديمقراطية الممارسة في الأنظمة الغربية، هذه الحالة تشبه إلى حد ما شركة «بيجو» لصناعة السيارات، التي تصدر لنا سيارات هي نفس «الماركات» الموجودة عندهم ولكن تختلف من حيث الوزن وقوة المحرك وصلابة قطع الغيار والرفاهية والأمن، فالسيارة التي يركبها الفرنسي تختلف عن السيارة التي يركبها الجزائري وإن كانت من نفس النوع..!
تبدو المؤامرة كبيرة جدا على الثورات العربية وعلى الأنظمة التي تفرزها الديمقراطية الناشئة خاصة إذا كانت إسلامية التوجه، إنها محاولة لتيئيس الشعوب من التغيير ووأد أي محاولة للنهوض، وتشويه كل تجربة «إسلامية» لقيادة الدول العربية بعد فشل الأنظمة الجبرية، وهناك مؤامرة كبيرة تحاك في سوريا ما بعد نظام «بشار الأسد» أخشى ما أخشاه أن لا ينتبه إليها أطياف العمل السياسي والثوري في المعارضة السورية، لأن سقوط النظام-وإن كان مكلفا- أسهل من ضبط النظام بعد خراب الدار وانهيار المؤسسات وتمكن الأيدي الخارجية من قيادة بعض أهل الدار..!
الذي أتمناه هو أن تتعلم الجزائر من هذه التجارب فيسعى المسؤولون عندنا بدافع الوطنية الصادقة- أو على الأقل من باب البرجماتية – إلى تجنيب وطننا الانزلاقات السياسية بمراجعة شاملة للنهج السياسي المعتمد، وفتح المجال للحريات العامة، والتمكين للعدالة الاجتماعية التي حُرم منها المواطن الجزائري ردحا من الزمن، ومحاربة الفساد بتطبيق القوانين على الكبير والصغير حتى نصل إلى الهدف الذي ضحى من أجله مليون ونصف المليون من الشهداء من بداية الاستعمار الفرنسي الصليبي إلى غاية خروج آخر جندي فرنسي من أرض الجزائر الطاهرة..!