
ـ
في سنة 2005 كنت في رومـــــا لدى المنظمة الدولية لقانون التنمية، حيث شاركت في دورة تدريبية حول دور التمويل المصغر في مكافحة الفقر والبطالة، وكانت تجربة غرامين بنك (أو بنك الفقراء_ بنك القرية) نموذجا نتعلم من خلاله التقنيات التي قدمها البروفيسور محمد يونس للوصول إلى النتائج التي أعطاها بنكه، لكنني كنت أنتقد التجربة بشدة قائلا كيف يمكن أن نحمل الفقير فوائد ربوية تصل إلى حدود 30 % ونضيف له عبئا إلى أعبائه؟ فكان الأساتذة يسألونني هل لديك البديل؟ فكنت أقول لدينا التمويل الإسلامي والزكاة، فكانوا يسجلون كل نقطة أذكرها تتعلق بالتمويل الإسلامي والزكاة ودورهما في مكافحة البطالة والفقر، إلى درجة أن قال لي أحد المشاركين (كان غير مسلم) لقد أبدع دينكم في مكافحة الفقر حيث اهتم حتى بالفقر المؤقّــــت بإعـــــطائــه الــــزّكــاة لـــــعَابر السّــــبـــيل.
ـ
مــــنذ تلك الفترة وأنا أدافع عن فكرة راقية جدا لو تجد نوايا صادقة في بلادنا ممن يريدون حقا إنقاذ شعبنا المسكين من ويلات الفقر والبطالة لتوصلنا إلى إعطاء العالم بأجمعه درسا بل دروسا في التطبيقات العملية لصيغ إسلامية جد فعالة في مكافحة هاتين الآفتين…إنَّــه الـــقرض الحــــسن، من خلال إنشاء بنك للقرض الحسن بتمويل من الدولة والقطاع الخاص والمواطنين الذين يمكن لكل واحد منهم أن يشتري سهما خيريا في شكل صدقة جارية قد تجعل من بنكنا قادرا على أن يوفر تمويلات خالية تماما من أي شكل من أشكال الــــــرّبا الحــــــرام.
ـ
كــما يُـــمْـكن أن نُـــعيد بَـــعث فــكـرة وَقْــــف النُّــــقُــود، من خلال اعتمادها كشكل من أشكال تمويل بنك القرض الحسن، الذي يتخذ منها إستراتيجية لتعظيم موارده، ثم إن هذا البنك قد يستقبل جزءا من زكاة الجزائريين من الداخل والخارج، هذه الزكاة التي لو جمعناها بشكل حقيقي ورشيد لتجاوزت في مجموعها 3 مليار دولار كل سنة تكفي لاجتثاث الفقر ليس في الجزائر فقط بل في كافة الدول الإفريقية.
ـ
لكنْ هـــل هُــــنَاك مَــــنْ يَــــسِمَـــع لـــهذه المقترحات وغيرها من المقترحات الإبداعية البناءة التي نريد من خلالها أن نسهم ولو بالشيء القليل في ترقية أوضاعنا الاجتماعية والاقتصادية، بما يعود بالخير على الاستقرار والأمن في بلادنا؟
ـ
عِــلْـــمًا أنَّ فــــكرة بـــنك الـقــرض الــحــسن قد تكون أفضل من الوكالة الوطنية لدعم وتشغيل الشباب، وحتى من الصندوق الوطني للتأمين ضد البطالة، بل أفضل من الوكالة الوطنية للقرض المصغر، وكما يعلم القارئ أن هذه الوكالات والهيئات تلجأ في تمويلاتها الثلاثية إلى البنوك الربوية، ما جعل شبابنا يعزفون عن اللجوء إليها، فلم لا نفتح الباب لهم للتمويل الحلال الخالي من الربا، شريطة أن يكون هنالك مرافقة ومتابعة ومراقبة دائمة للممولين، بما يضمن استرداد القروض ونجاح المشاريع.
ـ
كــــما يُــــمْكِـــنُ أن يُـــمَـــوَّل بـــــنكُ القرض الحسن عن طريق رسم بسيط تنشئه الدولة لمكافحة الفقر والبطالة (TLCPC) فيكون مصدرا من مصادر التمويل لبنك القرض الحسن، و بذلك يَكُون الشّـعـبُ هُــو مَــنْ سَـــــاهَــمَ في إنْـــشَاء بَــنْكـه عن طريق رسم يمكن أن يدخل في الفواتير والعمليات المصرفية والبريدية، وحتى شحن الهواتف النقالة وغيرها من الوسائل الابتكارية لتمويل فكرة راقية تحتاج من يحتضنها.
ـ
فَــــلِـــمَاذا لا نـَـــسْــتَـمِــعْ لــبَــعــضِــنَـــا الـــبَـــعْــض و نحن نحاول كلّ حسب تــخصُّـــصِه في المساهمة في تنمية بلدنا وإنقاذ شعبنا من ويلات الفقر والبطالة، لماذا نستمر دائما في استيراد التجارب الفاشلة والغريبة عن شعبنا الذي يرفض منذ أن دخل الإسلام إلى هذه الديار التعاملَ بالفائدة أخذًا وعطاءًا، فلقد آن الأوان أن نرجع إلى الله، ونتوب إليه من الربا وننشئ بنك القرض الحسن بتمويل شعبي.
ـ
وَ لِــــمَ لاَ يَـــكُــونُ بِـــتَــمْــوِيـــلٍ بـــــترُولِـــيٍّ فَــيُـخَـصَّــصُ دُولَارٌ وَاحِـــــدٌ مـــن كلّ بــرمــيلٍ يُصَـــدَّرُ للـــخَارج كمساهمة في رأسمال هذه البـــنك الذي نــتَوَقَّـــــعُ له أن يَــكــبُرَ عــاما بعد عــام، فَــقَـد نَــصِـلُ إلــى جَـمْــعِ مَــا فَـــوق 300 ملـيون دولار سَنَـوِيــًا (ما يفوق 2100 مليار سنتيم) رَأِسَــمَــالٍ لِـــبَـنْــكِــنَا الخَــالِــي مِـــنَ الــرِّبـــا، وهـــذا مــا قـــد يُـــسْـهِــمُ فـــي إخْــراجِ الـمَـــلايِــــيـن كُــلَّ ســنة مــن البِــطالـــة والفَـــقْـــر ؟.
ـ
فَـــأَين أنْــــتُـــم يـــــا أَصــــحـابَ الضَّــمَـائِــــر الــحَيَّـــة؟ يا من تقلدتم مسؤوليات في بلادنا ولديكم سلطة القرار في تبني مثل هذا المشروع الحضاري الذي سيجعل من الجزائر مثالاً يدخل عالم التميّز في مكافحة الآفات الاقتصادية والاجتماعية بفعالية كبيرة، عوض أن نبقى شعبا مستهلكا لكل ما يأتي من الخارج، ونحن لدينا كل إمكانات الإقلاع الحضاري، فهل من مجيب؟
ـ
ـ
* الدّكـــــتور : فـــــــــــارس مســـــــــــدور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ