شهيــــد الـمحـــــــراب /د .عبد المجيد بيرم
شهيــــد الـمحـــــــراب «الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رحمه الله تعالى»/ د .عبد المجيد بيرم
لقد كان وقع نبأ استشهاد الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي –رحمه الله تعالى- بتفجير مسجد الإيمان، الذي يُلقِي به درسَهُ الأسبوعيّ، مع عددٍ من المصلين، شديدا على كل من عَرفَ الشيخَ أو جلس إليه أو سمع منه أو قرأ له، فقد شاءت إرادة الله تعالى أن يرحل الشيخ البوطي، الذي تجاوز الثمانين، عن هذه الدنيا بهذه الطريقة التي لا يقرّها شرع ولا دين ولا عقل، وهي مُدانة بإجماع كل العقلاء.
ولعل موقف الشيخ رحمه الله تعالى، في بداية الحراك الشعبي في سوريا، كان مبنيا على معرفته بطبيعة النظام الشمولي الذي يحكم البلد بقبضة من حديد، ولا يتوانى عن استخدام كل وسيلة لقمع أي تحرك، فضلا عن أحداث حماة في مطلع الثمانينات التي ما تزال محفورة في الذاكرة، كل ذلك جعله يقف ذلك الموقف، وقد أكّدت الأيام والشهور منذ بداية الحراك صِحَّتَهُ.
وأيّاً ما كان، فإنّ هذا لا يبرر الإقدام على مثل هذا العمل الإجرامي، حتى ولو اعتبرنا الشيخ مخطئاً في موقفه.
وأعتقد أن موقفه هذا نابع من قناعة خاصة به، ولم يكن طمعا أو رهبة، فالشيخ أبعد من أن يبيع دينه بعرض من الدنيا زائل.
والشيخ البوطي –رحمه الله تعالى- أحد قمم العلم في هذا العصر، وهو أشبه بالإمام أبي حامد الغزالي –رحمه الله- من حيث إنه كان على قدر عظيم من العقلانية، والعمق في التفكير، تمثلت فيما كَتَبَهُ في بيان دقائق مقاصد الفلاسفة، ثم كرَّ عليها بالنقض في كتابه “تهافت الفلاسفة”، وفي الجانب الآخر ما تميز به من قوة النزعة الروحية، تمثلت في ما كتبه في “إحياء علوم الدين”، وكتابه: “المنقذ من الضلال”، وغيرهما.
بينما ألّف الشيخ البوطي كُتُباً تكشف عن القوة العقلية التي تميز بها، مثل كتاب: “كبرى اليقينيات الكونية”، و“العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر”، و“نقض أوهام المادية الجدلية”، وفي الجانب الآخر يكشف العاطفة الجياشة التي ظهرت في كتابه: “من الفكر والقلب”، وفي “شرح الحكم العطائية” وغير ذلك.
وجهود الشيخ البوطي العلمية والدعوية لا ينكرها إلا جاحد، فهذه كُتبه على كثرتها وتنوعها لا تزال تملأ المكتبات العامة والخاصة، وما كان يلقيه من محاضرات في المؤتمرات والمساجد حينما كان يجوب في البلاد الإسلامية، وفي أوروبا وغيرها.
ناهيك عن دروسه التي كان يلقيها بمساجد دمشق وبخاصة يومي الاثنين والخميس، التي لم ينقطع عنها منذ عقود حتى في أحلك الظروف التي مرت بها سورية بعد أحداث حماة.
وقد تخرّج عليه المئات من الطلبة والباحثين والدعاة، متوزعين في أقطار العالم الإسلامي، ومنهم بعض الرموز في المعارضة السورية حاليا.
وإن أَنْسَ فلن أنسى، حين جاءته عروض من بعض دول الخليج للتَّدريس في جامعاتها، فاعتذر وقال: “لَـنْ أَخرُجَ مِن سُوريّـة، وَ إن اضْطُرِرْتُ لِلْخُرُوجِ فَلَنْ أَخَرُجَ إِلاَّ إِلَى الجَـزَائـر للـتَّدريـسِ بجـامِـعَاتِـها”.
ومرة جاءته دعوة من رابطة العالم الإسلامي لأداء مناسك الحج فاعتذر، لأن كثيرا من العلماء والمشايخ قد عزموا على الحج في تلك السنة، فلم يرض أن يترك عامّة الناس دون علماء يزورونهم يوم العيد؟!
فرحمات الله تعالى على روحك الطاهرة، وألحقك الله تعالى بمن أنعم عليهم من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
وجزاه الله خيراً عمّا قدّم لأمته، وغفر له ما أخطأ فيه، وفرّج الله كربة إخواننا في بلاد الشام.