رحم الله الشيخ البوطي وغفر له..!/أ.كمال أبوسنة
مهما يكن قاتل الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي-رحمه الله- أطرافا من النظام السوري المجرم الذي لا يهمه هلاك الأرواح البريئة من أجل بقائه واستمراره، أو من بعض المعارضين “المتطرفين”، لأن المعارضة ليست ذات اتجاه واحد وإنما هي اتجاهات كثيرة جمعها هدف واحد وهو إسقاط النظام، فإن اغتياله في بيت من بيوت الله وهو يلقي درس علم على طلاب العلم ورواد جامع الإيمان عمل غير صالح وجريمة يتحمل فاعلها والمخطط لها وزرا عظيما يلقى به الله رب العالمين يوم القيامة..!
قد نختلف مع الشيخ البوطي -رحمه الله- في كثير من آرائه الدينية، ومواقفه السياسية الداعمة للنظام السوري المجرم الذي عاث في أرض سوريا فسادا فسفك دماء السوريين بغير حق، ودمر مُدنا كاملة، وهجَّر أهلها الآمنين إلى أماكن حدودية تصعب فيها الحياة، ولكن هذا لا يعني أن نبخس الرجل حقه في العيش ونعتدي عليه بالتفجير في أطهر بقعة، وأقدس مكان، وهو بيت الله، فإن لم يشفع للرجل علمه وماضيه الدعوي وسنه الكبير، فتشفع له” لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، وقد قال ربنا عز وجل: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.[الإسراء:33].و قال أيضا: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}.[النساء:93]. وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “اجتنبوا السبع الموبقات…”- وعدَّ منها-… قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. وروى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال في حجة الوداع:” إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا”.
لم يكن لائقا موقف بعض المحسوبين على الحركة الإسلامية الذين وضعوا أنفسهم وكلاء عن الله وأخرجوا الشيخ البوطي -رحمه الله- من رحمة الله، ومنهم من حكم عليه بكل بساطة بأنه من أهل النار خالد فيها، وبعضهم ممن تعلم على يديه وعلى كتبه، وقد تعلمنا من أخلاق رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أن لا نشمت بميت من أهل الملة، ونكل أمره إلى الله، وفي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جندب – رضي الله عنه – أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدث : ” إن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك”.
إن مقياس الناس في الدنيا قد يكون مختلا خاصة الذين لا يعرفون من الألوان إلا الأسود والأبيض، لأن لله أسرارا لا يعلمها إلا هو، وحسابات الدنيا غير حسابات الآخرة، فرُبَّ مرضي عنه في الدنيا مسخوط عنه في الآخرة، ورُبَّ مسخوط عنه في الدنيا مرضي عنه في الآخرة، ما لم يُشرك، ورحم الله من قال خيرا، فإن لم يتبن له وجه الحق طهر لسانه من قول الباطل…رحم الله الشيخ البوطي وغفر له ولنا.