مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
أحداث دولية

الــــفاجعــــة الكبرى /د.عبد الحفيظ بورديم

BOUTI2شيخ جاوز الثمانين ولكن لم تحوج جسمه إلى مُعين. عاش بين المحاريب والقرآن، يدعو إلى السلم والأمن والأمان، وليس له من الأحلام إلاّ أن يحيا المسلمون بالإسلام. أمضى من العمر ستين ناصحا أمينا، يذكّر باليقينيات الكبرى تذكيرا، ويفسرّ الحكم العطائية تفسيرا، ويحدّد قواعد المصالح الشرعية، ويجادل اوهام المادية التاريخية. ارتكز إلى القلب والعقل  لتحكيم الواقع بالنقل. فكان له في السياسة رأي صريح أوضحه منطقه الفصيح. وكان له مع دعاة اللامذهبية مناظرات، وفي منهج الحضارة إسهامات.

ومن قدر الأحزان أن تنطوي على بغضه قلوب بعض الفتيان. فسّقوه لأنّه خالف شيوخهم الاجتهاد، فما بالهم ينكرون على غيرهم الاستبداد؟ إن لم يمنحوا للبوطي حقّ الاختلاف، فهل يحمون الأمّة من الإرجاف؟ وإن لم يتّقوا الله في دم العلماء، فهل يفتح الله لهم جنان السماء؟

من قبل كان للأمّة خليفة نشر عدله، فغرس المجوسي في ظهره نصله؟ ومن بعده صار الأمر لخليفة ثالث فتسوّر عليه الغوعاء من كلّ عابث؟ ثمّ صار الأمر إلى الإمام التقي ولكنّه يموت بيد الخارجي؟ والقتل لا يزال فينا بدعة أثقلت كواهلنا وأربكت وجودنا وأضحكت عدوّنا.

ولمّا نشبت في المسلمين دواعي التغيير حذّر (البوطي)من الوقوع في التغرير، ونحن قوم خفيفو الوزن في مجلس الأمن. أمر أمرائنا إلى خنوع ولكنّ الجهل في شعوبنا ذو شيوع، ولا يستقيم البناء بتغيير الحاكم الإمام قبل أن ترجع الأمّة إلى تزكيتها بالإسلام. هكذا سار في الناس قوله، بعدما استيقنه عقله.

قالوا في الشام حاكم نصيري، ولكنّ البوطي سني. وقالوا في الشام حكم قوميّ ولكنّ البوطي كردي، وقالوا في الشام حلف فارسيّ ولكنّ البوطي مجتهد أشعريّ. فبأيّ حقّ أجازوا قتله، أم أنّ يدا في الخفاء أرادت ختله؟

نشهد أنّه كان شجاعا مقداما يعلم أنّ في الشام سيوفا رضعت الإجراما، ولكنّه ثبت كالطود الشامخ ينصح نصح العالم الراسخ. جلس في محراب المسجد ذا عمامة يبسط جناحي وقاره كالحمامة، وتحلّق من حوله متوضئون يسمعون لعلمه. كان بينهم ذا حزام ناسف أطلق للموت أيادي الخاطف، فقضى العالمُ – ومن معه- سعيدا وندعو الله أن يتّخذه شهيدا.

كانت بنو إسرائيل تقتل أنبياءها، فعذّبها الله بشتاتها. وجعل الله في المسلمين العلماء، وأورثهم ما ورّث الأنبياء، لكنّ بعضنا صار يستحلّ بالقول أعراضهم وبالفتك أرواحهم. فيا بني إسماعيل هل صرنا أسوأ من بني إسرائيل؟ أم هل صارت ديارنا مرتعا يعيث فيه أعداؤنا؟ وهل سيكتفي القاتلون بدمه، أم  أنّهم يريدون لأصحابه أن ينتقموا من خصومه؟ لو كان يوصي لأوصى مثل الخلفاء لا تنتقموا من الأبرياء، ولا تجعلوا الشام مسرحا للدماء. فإنه إن سقطت بالانتقام شامنا سقطت في الفوضى ديارنا.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى