من إيجابيات تقييم المنظومة التربوية /أم محمد الأخضر

إن التناقض الذي نراه ونلمسه بين سلوكنا وانتمائنا الحضاري والديني، يعود إلى أننا نستلهم تربيتنا الأسرية والمدرسية من مناهج غربية، أو بالأحرى نعتمد منهجية لا تستوعبها عقول أبنائنا، في حين أننا لو استعنا بالقرآن والسنة واستلهمنا سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في تربية أبنائنا وبناتنا لزال ذلك التناقض، وحل محله التوافق والانسجام بين سلوكنا ومعاملاتنا، مع ما يقتضيه انتماؤنا الحضاري والديني.

إن العلاقة الأسرية والمدرسية لها دور هام ومؤثر في تربية الطفل، وإيصاله إلى مرحلة التأهل والاستقلال، فالأجواء الفكرية والنفسية والعاطفية التي ينشأ الطفل في إطارها هي التي تمنحه القدرة على التكيف الجدي مع نفسه وأسرته، ومجتمعه ومدرسته، وهذا يتطلب من الأسرة اعتماد منهج تربوي، تتحدد من خلاله الواجبات والاختصاصات، للمحافظة على تماسك الأسرة من جهة، ويضمن التأثير الإيجابي على الطفل في المدرسة..

ومن زاوية أخرى علينا أن نفقه جيدا ما تقدمه مدارسنا لأطفالنا في كل مرحلة من مراحل نموهم، وتكيفهم مع المادة التي تستوعبها عقولهم.

فالأولياء مسؤولون مسؤولية تامة للسؤال عن المقررات التي تقدمها المدرسة لأبنائهم، هل هي تناسب سِنّهم؟ وتتكيف معها عقولهم؟ أم أنها معلومات لحشو الأدمغة؟ أو بمعنى أوضح هي معلومات لتهديم دماغ الطفل؟ فلا تجده يكتب لك جملة مفيدة في اللغة العربية، أو يشرح لك نوعا من أنواع الخلايا، وما مهمتها في جسم الإنسان بالنسبة لمادة العلوم الطبيعية، ولا نتكلم عن اللغات الأجنبية…

يوجد الكثير من أولياء التلاميذ الذين لا يهمهم أبناؤهم، ولا يسألون عنهم، إلا إذا ما استدعوا على عَجَلة من طرف مدير المدرسة أو الأستاذة، المهم والأهم عندهم هو أن التلميذ يذهب بحقيبته صباحا ويعود مساءًا.

ونقولها بصراحة لو كانوا أولياء التلاميذ يقظين لما يدور حولهم، لما كانت هذه الانتكاسة في المناهج التربوية، ولما استبدت بنا هذه المنهجية العقيمة، بل المنهجية الهادمة للعقل البشري، وها نحن بإغفالنا الاطلاع على تلك المقررات المدرسية، والتأمل في المنهجية المعتمدة في تدريسها، قد ساهمنا في تهديم اللبنة البشرية التي تعتبر هي الأساس لتطور الشعوب ونهضتها..

وعندما تكشف بعض تقارير الاستشارات الوطنية لتقييم قطاع التربية والتعليم، عن حقائق خطيرة تسببت في تدهور النظام التربوي والتعليمي، وتشير إلى أن الإصلاحات المزعومة أدت إلى تدمير مستقبل أكثر من ملايين تلميذ، بحيث أصبح التسرب المدرسي منذ تطبيقها سنة 2003، لا ينخفض عن 200 ألف تلميذ سنويا، فأين يذهب هؤلاء؟ وما مصيرهم في المستقبل؟ أم أنهم فئة لا تعنينا؟

ولا جدال في أن هذه النسبة العالية من التسرب التي أشارت إليها التقارير تغدو مفهومة ومبررة باعتبار السلبيات والاختلالات التي رصدتها لجان التقييم وحددتها في الآتي:

وإنَّ توقف لجان التقييم عند هذه السلبيات والاختلالات، لهو من الايجابيات التي تحتسب لهذه اللجان، وتؤكد أهمية اعتماد التقييم الدوري للعملية التربوية، حتى نتفادى الأخطاء، ونحول دون أن يذهب أبناؤنا ضحية ممارسات تربوية خاطئة تعصف بمستقبلهم…

ومن هنا يتوجب على المسؤولين عن التربية في بلادنا أن يعيدوا النظر في منظومتنا التربوية جملة وتفصيلا، إن الجزائر إنما تبنى وتشيد بواسطة مشاريعنا التربوية، وأن تلميذ اليوم هو أستاذ الغد، وهو حامل مشعل المستقبل لهذا البلد الطيب، فلنتق الله في أنفسنا وفي أولادنا، ونكون كما قال الرسول صلى الله علية وسلم: “كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته”. فنحن مسؤولون عن هذه الأمانة، وأي أمانة إنها مصير المستقبل.

Exit mobile version