تراثنا والاتجاهات الفكرية المعاصرة/عبد القادر قلاتي
إن المتتبع لحركة التحولات الفكرية والسياسية المعصرة في عالمنا العربي والإسلامي، يلحظ بوضوح حقيقة الاتجاهات الفكرية والسياسية التي تصدرت عملية النهوض الحضاري، وتسلمت قيادة مشروعنا النهضوي، هذه الاتجاهات التي تربت في كنف الاستشراق، وتم عزلها عزلا تاما عن مقومات الأمة الحضارية، وأبعدت عن كل قاعدة فكرية أو عقائدية، أو قيمية تنبثق عن الإسلام ووحيه الخالد، وبرزت هذه الاتجاهات في القطاعات الحيوية للأمة، في التربية والتعليم والفنون، فظهرت أسماء في عالم الأدب والفكر والسياسة والإدارة، تعادي تراث الأمة وتدعو صراحة للقطيعة معه، حتى تتمكن الأمة من النهوض، ومن ثم الدخول إلى العصر وحداثته، وقد تمكنت هذه الاتجاهات من تشويه الكثير من الحقائق الإسلامية، عند قطاع هائل من شباب الأمة العربية والإسلامية، ولولا الصحوة الإسلامية ورجالاتها الذين وقفوا أمام هذا الزحف الممنهج لقضي على الكثير من حقائق الإسلام ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه.
وفي إطار هذا الصراع الفكري والحضاري بين الأصيل والوافد، أدركت هذه الاتجاهات أن عداء الإسلام وتراثه، لا يأتي بفائدة كبيرة لصالح مشروع التغريب والعلمنة، فاهتدت إلى حيلة الكتابة عن الإسلام والدعوة له انطلاقا من رؤاها وتصوراتها العلمانية، فبدأنا نسمع عن الفكر الإسلامي المستنير والمفكر الإسلامي المستنير، وظهرت المشاريع الفكرية شرقا وغربا، تتناول مسائل شائكة في الفكر الإسلامي الأصيل، برؤية تبسيطية هزيلة، وبأدوات معرفية وافدة غريبة، وكلمة “مستنير” هنا لم تأت اعتباطا، فالاستنارة التي تضاف إلى الإسلام أو الإسلامي معناها الفهم الخاص الذي يجب أن يستوعبه المسلم حتى يصل إلى حقيقة مقصودة، وهي أن الإسلام وحده غير كاف، بل يجب أن تضاف إليه مجموعة من المفاهيم الأخرى المرتبطة بالحياة، والتي صاغتها المنظومة الغربية، لأن الغرب ببساطة هو صاحب الحضارة والتقدم، فما يقف عنده المسلم من أخلاق وسلوك ومعاملات يستقيها من دينه، يجب أن تلبس لبوس الحداثة الغربية، و شيئا فشيئا يترسخ في شعور المسلم من غير وعي منه، معاني شديدة الخطورة، وهي أن الإسلام كقيم ومبادئ غير كاف بذاته، بل يحتاج إلى هذه الكلمة الموهومة التي أسموها “الاستنارة”، وعندها يفقد الإسلام خصوصيته كدين، ويعزل عن حركة المجتمع الإسلامي، كما يفقد المسلم هويته الحضارية، وهو المطلوب في مشروع التغريب.