مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

الإسلام والمشاريع الفكرية المتهافتة/عبد القادر قلاتي

GUELATI112لا شك أن أي دارس للفكر العربي المعاصر، يدرك بيسر أن أهم الإشكاليات التي خاض فيها هذا الفكر، وعالجها بالتنظير والتحليل، ليست من صميم واقعنا العربي والإسلامي، ولا تدخل في أولويات المشروع النهضوي الذي تنشده أمتنا، بل هي مسائل أثارها الفكر الاستشراقي ومدارسه التي تخصصت في دراسة الإسلام وتراثه، فجاء هذا الفكر ليواصل مجهود الاستشراق في جانبه العدائي للإسلام وحضارته، ويستمر في تكريس خطابه الذي ما فتئ يحي ما اندثر في تاريخنا الطويل من خلافات بين المذاهب والفرق الإسلامية المتعددة، في الأصول والعقائد والتشريع، وحتى في الوحي الذي هو النص المؤسس لفكرنا الديني، وليس هذا فحسب بل كان الفكر العربي دائما يتحرك استجابة لصوت الخارج، سواء كما قلنا الاستشراق وخطابه العدائي، أو ما يطرح في الغرب عموما من اتهامات باطلة لحقائق الإسلام ولدستوره المؤسس وهو القرآن الكريم.

ربما لا يوجد كتاب ديني “مقدس” في تاريخ الأديان كلها، تعرض للتشويه والهجوم كما تعرض ويتعرض له القرآن الكريم، فلم يعد هذا الهجوم يصدر فقط من المؤسسات الدينية، بل يقوم بالمهمة نفسها أطراف عدة، في الفكر والأدب، في الإعلام والصحافة، والجامعات ومراكز البحث، وحتى من صناع القرار أنفسهم، ومع هذا لا نملك إطلاق حكم واحد على العالم الغربي، ففي الغرب تصدر أراء ومواقف معتدلة تنصف القرآن وأتباعه، وهو ما يجعلنا دائما نتردد في وصف الرؤية الغربية للإسلام، بأنها رؤية عدائية مطلقة رغم قلة تلك الأصوات المعتدلة والمنصفة، التي نكبر فيها ثقافة العدل والإنصاف، التي تغيب تماما عندما يتعامل الغرب مع الآخر.

لقد نشأ الفكر العربي المعاصر الذي سلم بحتمية الأخذ بالحداثة الغربية لحظة اصطدام العقل العربي والمسلم بالحضارة الغربية، فهذه اللحظة هي من شكلت الإرهاصات الأولى لهذا الفكر، لذا انشغل جل المفكرين العرب بأكثر المسائل التي هي من صميم الحداثة الغربية، فنجد معالجات من قبيل، قضية المرأة، وقضية الأقليات، والهوية والقومية والدين، وغيرها من المسائل التي ترتبط بالمجال التداولي للغرب أكثر منها بالبيئة العربية والمسلمة، وإن كنا نسلم أن أكثر هذه القضايا تشكل هاجسا للمشروع النهضوي العربي الإسلامي، لكن الفكر العربي المعاصر لم يتناول هذه القضايا إلا استجابة للنقد الذي وجهه الفكر الغربي للتراث الإسلامي، فحل هذا الفكر محل الفكر الغربي، فبدأنا نسمع مقولات من قبيل نقد الموروث الإسلامي، والقطيعة المعرفية مع التراث، وغيرها من المقولات الهدامة التي حلت – كما قلنا- محل مجمل النقد الذي قام به الفكر الاستشراقي المدعوم من الإدارات الاستعمارية، وذهب هذا الفكر بعيدا في التنظير والتحليل لهذه المسائل، دون أن يراعي الخصوصية الحضارية لهذه الأمة، وظهرت مشاريع فكرية في المشرق والمغرب، أجمعت على فكرة واحدة وهي القطيعة المعرفية مع تراثنا الفكري؛ لأنه ببساطة لم يعد يملك المقدرة المعرفية لمعالجة هذه الإشكاليات التي تواجه الإنسان العربي والمسلم في هذا العصر، فالأخذ بالحداثة الغربية حتمية فرضها الواقع والعصر، وليس لنا إلا التسليم بهذا الخيار، وبدأت تظهر المشاريع الفكرية المعبرة عن هذه الرؤية الحدية والمستبدة، لأن الاستبداد في الفكر أخطر أنواع الاستبداد، لأنه يقوم على احتكار الحقيقة، وتعرية المخالف منها تماما، فجاءت هذه المشاريع قائمة على أنساق معرفية مغلقة، لم تضف للمعرفة جديدا، ولم تنجح في حل المشكلات الحقيقية التي واجهت وتواجه المجتمعات العربية والمسلمة، فلو أخذنا على سبيل المثال المشروع الفكري للمفكر الماركسي طيب تيزيني، كعينة لهذه المشاريع التي جاءت لتحدث ثورة تجديدية في الفكر والواقع العربي، لوجدناه خاليا تماما من أي إجابات لأسئلة الواقع العربي، فالرجل ينطلق من الماركسية كمدرسة فكرية وأيديولوجية، ويعمل جاهدا على إعادة بناء الفكر العربي الإسلامي وفق هذه الرؤية المؤدلجة، فبالرغم من وقوفه أمام مسار التاريخ الإسلامي، فإنه لم يقرأ الفكر العربي الإسلامي قراءة تاريخية، وإنما عمل على انتقاء لحظات تاريخية ليؤكد على حقيقة واحدة، وهي التسليم بالنظرية الماركسية باعتبارها حتمية تاريخية، وليس بعيدا عن تيزيني نجد المشاريع الفكرية الأخرى، تدور في فلك الايدولوجيا والحداثة، فالأمر سيان عند القومي أو الليبرالي أو الماركسي، القطيعة ثم القطيعة مع تراثنا الفكري والروحي، وهكذا نجد مشروع محمد عابد الجابري، ومشروع حسن حنفي، ومشروع حسين مروة، ومشروع محمد أركون، ثم سلسلة تلاميذ أصحاب هذه المشاريع في مصر والشام والمغرب العربي، كلها تعمل في خطة منتظمة وواضحة، وهي مواصلة مجهود الاستشراق في تخريب التراث، وليس تصفيته وتنقيته كما يدعي أصحاب هذه المشاريع الفكرية، بقي أن نقول أن الحسنة الوحيدة لهذه المشاريع، أنها وقفت عند محطات مهمة في تاريخ تراثنا الفكري والمعرفي، يمكن لأصحاب الضمائر الحية والأصيلة، أن تعمل في اتجاه مشاريع فاعلة وأصيلة، تقرأ التراث قراءة صحيحة وفق تصور شامل للمعرفة الإنسانية، تستفيد منها وتستأنس بها في عملية النهوض الحضاري الذي ننشده، ثم تتجاوز هذه المشاريع المتهافتة التي أضرت بمشروعنا النهضوي. وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى