ما لهذا النهب لا يعاقب عليه ولا يحاكم؟ /الدكتور عمار طالبي
يعتمد اقتصاد بلادنا في جملته على المحروقات، وعلى وسيلته الفنية من الإطارات وإدارتها لهذه الثروة الكامنة الريعية، التي هي من فضل الله على بلادنا ولأجيالنا القادمة، وهي أمانة في أيدي هؤلاء للحفاظ عليها، باعتبارها مالا عامّا للأمّة، ولكن الذي نقرأه يوميا في الصحافة يشير إلى أن عدداً من هؤلاء المؤتمنين على هذه الثروة يقوم بنهبها، وأخذ الرشاوى، والتعامل مع الأجانب لضياع هذه الثروة ونهبها، وخيانة هذه الأمانة، فلا ضمير يتحرك ولا خوف من العقاب، ولا من الله، وهذه الخيانة بمبالغ ضخمة، غير يسيرة ولا هينة.
ويبدو أن هؤلاء أقدموا ويقدمون على هذا النهب لما يعلمون من الانفلات من العقاب، والنجاة منه، فأغلبهم لا ترى له محاكمة، ولا متابعة، فأين القضاء العادل الذي لا يخشى إلا الله في الأمّة، ولا ينصاع لأية سلطة مافياوية، مالية أو سياسية، ولو تحالفت السلطتان فإن القضاء العادل أقوى سلطة في الأمّة، تدفع عنها الفساد وتردع المفسدين.
إننا ندعو إلى محاكمة هؤلاء المفسدين للمال ومعاقبتهم، ومتابعتهم في الخارج، والداخل، مهما تكن وظيفتهم، وزيراً كان أو إطاراً ممن ظهر فساده، وقامت الأدلة على نهبه، وأكله أموال الشعب، أو العدوان على أقوات المواطنين، وتكون المحاكمة علنية، ندعو الناس لحضورها، ومشاهدة أعمالها، ونشرها في وسائل الإعلام، ولا يجوز إخفاء شيء من ذلك كله، ولا يمكن للقضاء أن يتأثر بما تمليه عليه أيه سلطة أخرى ليحتفظ بقدسيته التي يكسبها إياه العدل والحق، ودفع الفساد.
ونحن نرى اليوم كيف تُشترى الضمائر، وتطمس البصائر، بالمال الحرام في الانتخابات، وفي الوصول إلى المناصب، لتكون مصيدة لربح أكثر مما بذل، وأعظم مما أعطي، إنه فتح لباب الشر، ورخصة لكل ضرر وضرّ.
ومن أعجب ما سمعنا به أنه تدفع الرشوة من أجل الحصول على جثة أخ أو أب وهو ميت كي يدفنه أهله، إنها لفعلة شنيعة في بيع جثث الأموات لمجرد دفنها، ومواراتها التراب، ما سمعنا بهذا في الأولين ولا في الآخرين، إلا في هذه الأيام.
لم يقتصر الفساد على الأموال العامة، بل تجاوزه إلى بيع الأعراض، والمتاجرة بها، كما وقع في ولاية عنابة، يأتي الأجانب لإشاعة الدعارة، والعدوان على الأعراض التي أمر الله بالحفاظ عليها، كما أمر بالحفاظ على المال عامه وخاصه، فأمر بمعاقبة السارق عقابا لا ينساه طوال حياته، وبمعاقبة الداعر والزاني عقابا يصل إلى فقدان حياته، لما في ذلك من الردع القوي، والعقاب الشديد الذي يجعل هؤلاء المجرمين وغيرهم لا يقدم على فعل ذلك.
إن حرمة النفوس أمر أكده القرآن، ولكن أكد العقاب عليه، ولم يتركه سدى، وأن لا تساهل في أمر الفاحشة وما ينجر عنها من لقطاء تلقى في الطرقات، وفي أوعية الفضلات، بعضهم يلقى حتفه ظلما وعدوانا، وبعضهم الآخر ينقذ، ولكن إلى متى نترك السبل ميسرة لهذه الجرائم، ونتساهل في أمر المناكر، مما يؤدي إلى إشاعتها وانتشارها، لا يكفي في هذا المجال الوعظ والإرشاد، ويجب استعمال السلطة الردعية، والصرامة في تنفيذ القانون، أما إذا ترك الأمر على ما هو عليه اليوم، فلا أمن يبقى ولا سلام، ولا مال يحترم، ولا حرمة تحترم، ولا قيم تجد نصيراً رادعاً.
فأين القضاء والمحاكمة العادلة في هذه البلاد؟ سمّعنا الله بالخير! و سياسيةأوأو