المفتون بغير علم ولا فهم..!/أ.كمال أبوسنة
مسألة الفتوى في الجزائر أصبحت من المسائل الشائكة التي تبحث هي الأخرى عن حل.
فالمفتون بغير علم تصدروا المجالس، وتحدثوا في كل فن، وأضلوا بجهلهم خلقا كثيرا، وأحدثوا الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وسلقوا العلماء الربانيين بألسنة حداد، وشوهوا صورتهم أمام الجماهير رغبة في الشهرة والأجرة، حتى تجرأ عليهم حديثو الأسنان الذين لا يحسنون إعراب جملة متكونة من فعل وفاعل ومفعول به..!
هؤلاء المفتون قد حوَّلوا الدين إلى “غول” بشع الصورة يخافه المسلمون ناهيك عن غير المسلمين، وشددوا على الخلق حيث يجب التيسير رغم أن الله عز وجل لم يجعل في الدين من حرج، وعلّموا أتباعهم سوء الأدب مع كل من يخالفهم في مسألة فقهية فرعية، واشتغلوا بالجرح والثلب وأكل لحوم العلماء وطلبة العلم وحتى عامة الناس، بل ومنهم من وصلت به الجرأة إلى أن يتألَّى على الله فيصف هذا بأنه من أهل الجنة وذاك بأنه من أهل النار، وكأنه اتخذ مع الله عهدا، ونصبه قيما على عباده، وجعل مصائرهم بيده، فقد روى مسلم في صحيحه: عن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم » حدث أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وأن الله تعالىقال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك . «
هذه الأمور تحتاج من أهل العلم والفضل إلى معالجة وذلك بتكاثف الجهود الممنهجة، فقد استفحل شرها، وزاد خطرها، والفتوى من جاهل أخطر بكثير من ضربة سيف..!
كما أن المستفتين يتحملون جزءا من المسؤولية، فالواجب يفرض عليهم أن يستفتوا أهل العلم الراسخين، ولا يسعوا نحو المفتين الجهَّال الذين يوقِّعون عن الله بغير علم، وهنا لابد أن يدرك المستفتي جيدا أن الفتوى جواب في الدين، وعليه أن يعرف عمن يأخذ دينه…ولا يحتقر العلماء في وطنه ويزهد في سؤالهم، وبالمقابل يستورد الفتاوى من الخارج -حتى ولو كانت في الحيض والنفاس والغسل و، و، و-، وقد كنا نسمع من كبار العلماء الربانيين إذا سُئلوا من بعض غير مواطنيهم أجابوهم: اسألوا العلماء في بلادكم فهم أولى بالإجابة.
والغريب أن الناس حين يريد أحدهم أن يتداوى من علة في بدنه يبذل وسعه في البحث عن الطبيب الراسخ في تخصصه، ونفس الكلام يقال في المجالات الحياتية الأخرى…بيد أنه حين تعترضه قضية في الدين يسأل أي شخص سواء كان كهربائيا أو ذهانا أو جزارا أو خضارا…ولا يبحث عن عالم دين ثقة يسأله، ولله في خلقه شؤون!!!
كان من المفروض على وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، والمجلس الإسلامي الأعلى، وهما هيئتان رسميتان مختصتان أن تتحملا مسؤوليتهما في توفير المزيد من المفتين الذين يملكون، إلى جانب العلم، السمعة الطيبة بين الناس، وتوفير كل الوسائل المتاحة ليسهل عليهم التواصل معهم، واستفسارهم عن أمور الدين دون عوائق أو حؤول، فالفراغ هو الذي ولد مشكلة المفتين بغير علم، هذه المشكلة التي أصبحت ظاهرة تحتاج إلى دراسة وتخطيط لمحاربتها وترشيد الناس إلى أضرارها في الدين والدنيا..!