الشيخ آيت سالم الجزائري /بقلم الدكتور.عبد الحفيظ بورديم
لا يجتمع الناس إلاّ على قيم يرتضونها، ولا يتفاضلون إلاّ بأخلاق يعرفون بها، ولا يتفاوتون إلاّ برسوخ في العلوم يذيعونها. فإن تحقق ذلك لبعضهم صاروا أعلاما يرجع إليهم، وأئمة يقتدى بهم، وهم حينئذ أبعد الناس عن عبث السياسة، وما يصنعون بها وهم أهل الرياسة.
ينسى التاريخ أكثر البشر فيطوي أعمالهم، ولكنه لا يفتأ يذكر فضل الرجال ويروي أخبارهم. ولو أنّ أمّيا من التلمسانيين سألته عن أبي مدين لروى عنه العجب، ولو أنّ خبيرا من الباحثين سألته عن الحاكم في زمان أبي مدين لارتبك بالجهل واضطرب. وبعض السّرّ أنّ العالم أرضى ربّ الناس فحبّبه الله إلى قلوب الناس، وأنّ الحاكم استمسك بالباس فلم يسمع إلاّ إلى الوسواس الخنّاس. وما الأمثال إلاّ عبر، يفقهها أهل الحجى والتدبر.
ولمّا تكاثر أهل الجزائر في العصر الحاضر، كثر الغافلون منهم عن معاني حياتهم ونسوا جميل رسالتهم، فظنوا الدنيا وما يجمعون أقصى الغايات وربما ركبوا لها أقبح الموبقات، فإن مروا بالمؤمنين مروا مستهزئين، وإن خلوا إلى بعضهم تآمروا كاذبين. وكذلك يفعلون.
ومن رحمة الله بالعباد أن جعل رجالا له في كلّ البلاد. وإني لأحسب الشيخ ابن يونس أوتي علما ورشدا وما كنا لنزكي على الله أحدا. وهو الذي سلك طريق العلم من طفولته، وجلس إلى أهل الفقه في شبابه، وعمل على نشره وإذاعته في كهولته وشيخوخته.
آتاه الله صوتا شجيّا خصّه للقرآن فهو قارئ مع القراء، وآتاه الله فقها بالأحكام والمقاصد فهو فقيه بين الفقهاء، وآتاه الله لسانا عربيا وبيانا فهو بليغ بين البلغاء، وآتاه الله تواضعا جميلا فهو كريم بين الكرماء، وآتاه الله ثباتا على المبدإ فهو القوي بين الأقوياء. ورابط في دار الحديث فهو على منهج العلماء.
وقد شهدت معه كثيرا من المجالس فرأيت منه ما تقرّ به العين وتستعذبه الأذن. شهدت تعفّفه يوم جاءه بعض أهل الأحزاب فنصح لهم بأنّ سلامة النيات بداية الصواب. وشهدت يوم جاءه بعض العلماء من المشرق والمغرب فاستمتعوا معه بحسن الأدب وفقه المذهب، وشهدت معه يوم نصح للمعلّمين أنّ رسالتهم من رسالة المرسلين، وشهدت معه يوم أصلح ذات البين بين الأخوين المتخاصمين. وشهدت معه يوم الحجّ إلى بيت الرحمن فغمرنا بالعطف والحنان.
وشهدت يوم حمّله الشيخ شيبان أمانة تنوء بها راسيات الجبال، فقال الجمعية وديعة الأجيال، فلا تضيّعوها ومن كلّ متاجر احرسوها. وإنّه على عهده ذلك حريص على حفظها والدعوة إلى الإسلام بها، ولن أنسى يوم انتقل(من تلمسان إلى الشلف) واقفا في القطار وعاد من يومه في ذاك النهار.
هذا مثل من أبناء الجزائر، الذين تعرفهم بعيون البصائر، وسيذكرهم تاريخ الإسلام في هذه الديار كما يذكر الصادقين من الأخيار الأطهار. وما شهدت إلا بما علمت، ولو أنّ كلّ ذي شهادة أدّاها لظهر الخير على البلاد وغطاها.