ما أشبه اليوم بالبارحة!/عبد الحميد عبدوس
بعد تعيين جون برينان على رأس الوكالة المركزية للاستخبارات الأمريكية “سي.آي.إي”، تناقلت وسائل الإعلام العربية، وعلى رأسها موقع “العربية نت” السعودي، خبرا حول اعتناق برينان للإسلام، عندما كان مديرا لمحطة الاستخبارات الأمريكية في سفارة الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية من1996 إلى 1999.
وقد غطى هذا الخبر على الجوانب المظلمة والمرعبة في شخصية الجاسوس الأمريكي، والتي تكون قد شكلت أوراق الاعتماد الحقيقية لجون برينان للحصول على ترشيح الرئيس باراك أوباما له، واجتياز عقبة الكونغرس، للفوز بهذا المنصب الحساس في الطاقم القيادي للولايات المتحدة الأمريكية.
يعرف جون برينان الذي التحق في بداية سبعينيات القرن الماضي بوكالة الاستخبارات الأمريكية بلقب “قيصر الاغتيالات” ما له من يد طولى ودوره في استخدام الطائرات بدون طيار، الموجهة أساسا للقتل واغتيال الأشخاص الذين تتهمهم الولايات المتحدة بالإرهاب، وهذا ما جعل أحد الأعضاء المستقلين في مجلس الشيوخ، يصف وكالة المخابرات الأمريكية بأنها تقوم بدور “وكيل الاتهام والقاضي والجلاد” في الوقت نفسه…ويتهم جون برينان كذلك بأنه ساهم في وضع تقنية “الإيهام بالغرق” ورفض تصنيفها في إطار أعمال التعذيب، وقد استخدمت هذه التقنية بشكل مفرط في استنطاق سجناء معتقل غوانتانامو، الذي يشبه “الغولاغ” في العهد السوفياتي، وقد تولى “القيصر” الجديد للمخابرات الأمريكية منصب نائب مدير السي.آي.إي، في عهد المدير الأسبق جورج تينت الذي ورط وكالة المخابرات في “فبركة” أكاذيب امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لتبرير غزوه والإطاحة بنظام صدام حسين.
هذا السجل الأسود لمن أسمته جريدة لوموند ديبلوماتيك “سيد الطائرات بدون طيار”، لم يمنع وسائل الإعلام العربية من تحسين صورة جون برنان “المسلم”، الذي تسلق مناصب المسؤولية في وكالة الاستخبارات الأمريكية بسبب دوره في التجسس على المسلمين، وتعذيبهم، وقتلهم!
ولا يقتصر الأمر على جون برينان فقط، لكن يبدو أن أخبار اعتناق الإسلام من طرف شخصيات قيادية ومرموقة في أمريكا بصفة خاصة، وفي العالم الغربي بصفة عامة، ما زالت تفتن القراء العرب والمسلمين، رغم أنها كانت في كثير من الأحيان مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء في صحراء التيه السياسي والحضاري العربي الإسلامي، فقبل سنوات وبعد صعود حظوظ باراك أوباما لأن يكون مرشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية في سنة 2008، وترجيح إمكانية وصوله إلى سدة البيت الأبيض كأول أمريكي من أصول إفريقية، سرت شائعة عن اعتناق باراك أوباما للديانة الإسلامية، ونشر أحد المواقع الالكترونية صورة لأوباما وهو يرتدي الزي الإسلامي، وقيل إنها صورة التقطت له عند زيارته لشرق كينيا مسقط رأس والد باراك أوباما، ونقلت شبكة الأخبار الأمريكية العملاقة “سي.أن.أن” خبرا يتعلق بالجهود المكثفة لفريق الحملة الانتخابية للمرشح باراك أوباما، لنفي شائعة اعتناقه الديانة الإسلامية، ورغم أن المعني بالأمر باراك أوباما صرح بنفسه بأنه يعتنق الديانة المسيحية، فقد وجد من بين المسؤولين العرب من أصر على ربط أوباما بالدين الإسلامي، وصرح هذا المسؤول العربي بأن الاسم الحقيقي لباراك أوباما هو “بركة حسين أبو عمامة”، وأن والدته المسيحية غيّرت اسمه إلى بارك أوباما بعد انفصالها عن زوجها المسلم حسين أوباما!.
وبعد تولي أوباما منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، تناقلت وكالات الأنباء العربية والإسلامية خبرا يقول إن جدة الرئيس الأمريكي الحاجة سارة عمر، دعت في رحاب المشاعر المقدسة أن يهدي الله عز وجل حفيدها للإسلام، فقالت: “دعوت الله لحفيدي باراك أن يدخله الله عز وجل في الإسلام”.
وقبل قرابة شهر فقط، بعد تعيين السيناتور جون كيري وزيرا للخارجية نشر موقع “العربية-نت” في 25 جانفي 2013 موضوعا بعنوان “وزير خارجية أمريكا… مقتنع بالقرآن ويستخدم المسبحة”، واعتمد محرر المقال المنشور في موقع العربية-نت على مقابلة أجرتها مجلة “كريستيان توادي” في سنة 2004 مع المرشح الديمقراطي جون كيري للرئاسة الأمريكية، والتي خسرها أمام منافسه الجمهوري الرئيس السابق جورج ولكر بوش، وقال كيري في هذه المقابلة إنه كاثوليكي ممارس، ولكنه منفتح في الوقت نفسه على مصادر تعبير أخرى للروحانية، يرى أنها تأتي من أديان مختلفة، وأكد أنه مقتنع ومؤمن بأن التوراة والقرآن والإنجيل تتشارك فيما بينها بالأصل الإيماني إلى حد بعيد.
في حين ذكرت صحيفة “ها آرتس” الإسرائيلية، أن الجذور الدينية للوزير جون كيري هي يهودية، وأن شقيقه كامرون كيري اعتنق الديانة اليهودية، وما زال عضوا ناشطا في الوسط اليهودي الأمريكي، كما أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية من جهتها إلى أن المجلس اليهودي في الحزب الديمقراطي أبدى رضاه عن تعيين كيري لأنه صديق لإسرائيل ومن المدافعين عنها.
ولا يخفى التأثير اليهودي على توجهات واختيارات أعضاء الكونغرس الأمريكي، ومن ذلك تعطيل تعيين السيناتور الجمهوري السابق تشاك هاغل، أحد الحائزين على وسام البطولة في حرب فيتنام، في منصب وزير الدفاع، بسبب اتهام اللوبي الصهيوني للسيناتور تشاك هاغل بأنه صرح في سنة 2007 في محاضرة له بأن إسرائيل تهيمن على وزارة الخارجية الأمريكية، وقد ربط السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أحد أشد المعارضين لتعيين تشاك هاغل في منصب وزير الدفاع بين ضرورة تراجع هاغل عن تصريحاته حول إسرائيل، وسحب أعضاء الحزب الجمهوري لمعارضتهم في الكونغرس لتعيين هاغل في منصب وزير الدفاع!
وأمام هذه المعطيات الأمريكية والحقائق المتواترة، يتساءل المرء كيف يعقل أن يوافق الكونغرس الأمريكي الذي يبدي كل هذا الخضوع والارتهان للمصلحة الإسرائيلية على تعيين مدير للاستخبارات الأمريكية يعتنق الديانة الإسلامية، ويتساهل في الموافقة على وزير خارجية “مقتنع بالقرآن”، كما ذهب إلى ذلك موقع العربية-نت السعودي؟!
وهل أصبح المسلمون يعيشون وضعا أشبه بالوضع الذي جعل الجاسوس البريطاني العقيد توماس إدوارد لورانس، المشهور بلقب “لورانس العرب”، ينجح في إقناع زعماء القبائل العربية بأنه مسلم، ويصبح مستشار وموجه الأمير فيصل الابن الأكبر للشريف حسين قائد الثورة العربية ضد العثمانيين، ولم يكتشف أمر هذا الجاسوس البريطاني الذي نجح في تأليب قبائل العرب في الجزيرة العربية ضد العثمانيين المسلمين، إلا بعد أن نشرت الحكومة البلشفية بعد نجاح الثورة الروسية الوثائق السرية لمعاهدة سايس بيكو، التي أظهرت مؤامرة الدولتين الاستعماريتين: بريطانيا وفرنسا لاقتسام الأراضي العربية، وانعدام أي رغبة لديهما لمساعدة العرب الثائرين على تحقيق استقلالهم.
وقد ألف هذا الجاسوس البريطاني لورانس كتابا أسماه “أعمدة الحكمة السبعة”، كشف فيه عن حقده وكراهيته للعرب، واحتقاره وتشويهه لتاريخهم؟!.