القرآن والسياسة – 03/ أ.عبدالقادر قلاتي
إذا كانت نظرية الإمامة – كما رأينا في المقال السابق – بهذه الضحالة والضعف، فإن نظر ية الخلافة عند السنة، تمتلك من المقدرة المعرفية ما يؤهلها لان تكون نظرية الإسلام في السياسية والحكم؛ لأنها نظرية مفتوحة على تقبل الأفكار الجديدة، وليست مغلقة بنصوص حدية كما هو الشأن في نظرية الإمامة، وما يقوي نظرية الخلافة هو المفهوم الأساسي الذي قامت عليه وهو أن الخليفة يخلف النبي –صلى الله عليه وسلم – في وظيفة الحكم والسلطة ولا يرث نبوته عن طريق الإمامة كما زعمت المقولات الشيعية.
إن نظرية الخلاقة كما قررها الفقه السني ونظر لها طويلا، ليست سوى آلية سياسية، يقوم عليها الشأن السياسي للأمة بعد غياب الحاكم الأول وهو سيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- الذي قامت دولته على ميراث النبوية، واستمرت على هذا الميراث إلى سقطت في النصف الأول من القرن الماضي.
لقد قرر الفقه السياسي السني في إطار جدله الفكري والقانوني، أن منصب الخلافة، منصب سياسي يقوم على أساس الدين، ولعل الخلاف الذي قام بين السنة -الذين يمثلون متن الإسلام- والفرق الهامشية كالشيعة والخوارج، مصدره هذه الرؤية التي تبناها السنة لمسألة الحكم والسياسة، فلم يلبس الفكر السني نظريته السياسية لبوسا دينيا، وإنما قرر أن يكون الحاكم أو الخليفة من عامة المسلمين، وان الشروط التي يجب أن تتوفر فيه ليست من قبيل القرابة أو القومية، وإنما تحددها الكفائة و الأفضلية، وما الجدل الذي دار بين علماء الكلام في جواز إمامة من يوجد في الناس أفضل منه ليس عنا ببعيد، فقد جاء في خضم هذا الجدل الفكري أسئلة من قبيل، من أحق بالإمامة، هل هو الأفضل أو المفضول؟، وهل هو الأحسن خلقا وعلما وسيرة؟ أم هو الأكفأ في القدرة وتسير الأمور.ولم يتجاوز هذا الجدل الفكري والمعرفي هذه الأسئلة حول الشروط التي يجب أن تتوفر في الحاكم من ناحية الكفاءة الذاتية.
كما يقوم منصب الخلافة النبوية على أساس المسؤولية المشتركة والرعاية الكاملة بين الحاكم والمحكوم لقول النبي –صلى الله عليه وسلم –: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”، وقوله أيضا: ” إن الله يرضى لكم ثلاث: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم”، إلا أن المهم في نظرية الخلافة في الفكر الإسلامي السني، هو ذلك الأساس الذي لا تتم فيه عملية تنصيب الحاكم، أو الخليفة إلا به، ألا و هو مبدأ الشورى الذي يعطي لهذه النظرية ما يجعلها قوية أمام ما يصدر من نقد للفكر السياسي الإسلامي، لأن هذا المبدأ لا يمكن تجاوزه في مسألة خطيرة كمسألة الحكم والسياسة، والنص في القرآن الكريم واضح الدلالة، فلا يمكن لأي تأويل أن يخرجه عن سياقه اللغوي، يقول الله تعالى: ” وأمرهم شورى بينهم”، ويقول أيضا: ” وشاورهم في الأمر” ، فهل هنا أمر أكبر وأخطر من موضوع الحكم والسياسة.
يؤسس التيار العلماني نقده لنظرية الخلافة انطلاقة من الشرط الذي جعله بعض الفقهاء إلزاميا في اختيار الحاكم، وهو الانتماء إلى قريش، ويرى هذا الرأي أن القرشية شرط في الخليفة الذي يتولى أمر المسلمين، لكن هذا الشرط لم يصمد طويلا في عملية اختيار الحاكم، ليتم التنازل عنه بعد أن انتقلت الخلافة من العرب إلى العجم، وهو ما يستقيم مع الرؤية التأسيسة لنظرية الحكم عندنا، التي تجعل مسألة الحكم سياسية وليست دينية أو قومية، فما قرره الفقه السياسي من اشتراط الكفاءة هو الأقرب إلى روح الدين والأقرب إلى التصور الإسلامي لهذه المسألة الخطيرة. بقي أن نقول أن دفاعنا عن هذه النظرية، ليس من قبيل التقديس للموروث، والتعصب للطائفة، ولكن ما قدم من نقد لهذه النظرية، لا يملك أن يصمد أمام ما حققته هذه النظرية للأمة عبر التاريخ، وإن كنا نقر بصعوبة تطبيقها في ظل الوضع المزري الذي تعيشه أمتنا العربية والإسلامية، كما نقر بأن تطوير هذه النظرية لتستقيم مع معطيات العصر ضرورة يفرضها التطور الهائل في الفكر السياسي المعاصر.