ظاهرة العنوسة أسبابها ومفرزاتها/بقلم : أم محمد الأخضر
عندما قرأت كتاب “تأنيس العوانس” للشيخ شمس الدين، الذي عُرف برئيس الجمعية الخيرية الإسلامية الموجودة بالحي الشعبي المسمى “بلكور” والتي كانت في وقت مضى تخدم شريحة كبيرة جدا من المجتمع الجزائري، ومن خدماتها المختلفة للمرأة تزويج الفتيات والشبان بما يقتضيه الشرع، وكذلك فيما يخص تجهيز العروس، فكان هناك سوق يُقام في كل سنة مرة يسمى “بسوق العروس”..
قلت لما قرأت هذا الكتاب وجدت فيه عدة نقاط مهمة، لو عمدنا إلى تطبيقها على أرض الواقع لقلصت من نسبة العنوسة في الجزائر، وخلصتنا من ظاهرة الأم العازبة، الدخيلة على مجتمعنا، وأزالت تلك الحواجز النفسية المانعة للمرأة من قبول فكرة تعدد الزوجات، التي نشأت لديها بفعل تأثير الثقافة الغربية التي فرضت علينا أسلوب حياة الغرب – وهذا رأيي الشخصي – لأن الإسلام لم يترك شيئا إلا وأعطانا حلولا شافية كافية له، وجاء هذا الكتاب فسلط الضوء على العانس، وعلى العواقب الوخيمة وعن شهادات حية من بعض النساء، وما يجدن من متاعب بسبب العنوسة، وكذلك توضيحات حول تعدد الزوجات…
وترجع ظاهرة العنوسة إلى أسباب وعوامل مختلفة منها:
– خروج المرأة لميدان العمل واستقلالها ماديا عن الرّجل، مما جعلها تؤخر الزواج وتؤجله إلى حين توفر الطرف المناسب، وغالبا ما تنسيها مهامها الوظيفية نفسها ولا تستفيق إلا بعد أن يكون قد فاتها القطار ولم يعد للرجال رغبة فيها.
– إنشغالها بالتعليم أسهم هو الآخر في تأجيلها للزواج إلى حين تخرجها، وصرف عنايتها إلى طموحات علمية واجتماعية يستغرق تحقيقها ردحا من الزمن، ولا تدركها إلا بعد أن تكون قد ذبلت زهرة شبابها، وذهبت نضارتها.
– أزمة السكن والبطالة جعلت الشباب يعزف عن التفكير في الزواج وتكوين الأسر، لأن ذلك يثقل المعني بتكاليف مادية لا سبيل إليها ولا يستطيع أن يضمنها.
– غلاء المهور وارتفاع تكاليف الأعراس آيس الكثير من الشباب من الزواج وصرفهم عن التفكير فيه أصلا.
– التفسخ الاجتماعي وشيوع الانحلال والإباحية وانتفاء الوازع الديني والأخلاقي، زهد الكثير من الشباب في الزواج، ما دام لا يصعب عليه إشباع غريزته بطرق أقل كلفة من الزواج.
وهكذا برزت إلى الوجود ظاهرة العنوسة حتى تعدى عدد العوانس في الجزائر أثنتا عشر مليون فتاة على ما ذكره البعض، وكان لهذه الظاهرة مفرزات أشار إلى بعضها الشيخ شمس الدين في كتابه ” تأنيس العوانس” حيث جاء فيه: ” نتيجة ضعف الإيمان، وغلبة المادة على النفوس، وسيطرة العاجلة على القلوب، ظهر زواج اسمه (زواج المصلحة)، وهو أن يتزوج الرجل المرأة لمصلحة آنية له عند والدها، أو المرأة تختار الرجل لأن عنده سيارة، وعنده السكن. وهكذا ضاع البنين والبنات.. ومنهم من ضاعوا لخوفهم على حريتهم الشخصية، أو لنيل منصب “ما”، أو لغرض آخر لا يُقدم ولا يؤخر”.
ولهذه الأسباب وأخرى ظهرت الأم العازبة في مجتمعنا، وعوض أن نتصدى لها، ونحاربها بكل حزم وصرامة، رحنا نلتمس لها من الأعذار ما يبررها، ونهيئ المجتمع لتقبلها، بل عمدنا إلى تشجيعها، حيث رصدت وزارة التضامن منحة لها ولأبيها إذا قبل بإيوائها وطفلها الذي أنجبته بطريقة لاشرعية، ويسرت لها أسباب التكوين، وكأني بالوزارة تخاطب بنات الجزائر عبر موقفها ذلك قائلة: لا تتحرجن من إشباع نزواتكن، فالدولة تتكفل بكن وبخلفتكن، وهكذا شجعت هذه الظاهرة وحملت الفتاة الجزائرية على عدم التحرج من ممارسة البغاء، وأكرهت الرجل الجزائري المسلم الأنوف على التديث، وإلا كيف نفسر ظاهرة مثل هذه ..في مجتمع مسلم..
بينما تقام عقبات قانونية وغيرها لمنع تعدد الزوجات الذي أباحه الشرع الحنيف فيما يرضي الله ويحد من انتشار ظاهرة الأمهات العازبات، ويزرع التكافل والتكامل بين الأسر ويحفظ النسل، وبضمن رعاية الأيتام، ويمنح المطلقات والأرامل فرصا للزواج مرة أخرى…
وباتت الأوضاع بحكم ذلك مختلطة ببعضها البعض، ولأننا لا نوفر للعانس شابا كان أو شابة الأرضية الطيبة، من العمل والسكن إلخ….ولا نستخلص العبرة من تحصين زوجة أو اثنتين أو ثلاث للمستطيع …فتحنا المجال لظهور “زواج السر” و “زواج المسيار” و أسماء لزيجات كُثر أخرى ما أنزل الله بها من سلطان،…، وشجعنا شبابنا على الانغماس في الشهوة والخمور والحشيش والحبوب المهلوسة، وهكذا أوجدنا الجيل المتحلل المائع المريض جسميا وعقليا ونفسيا، فأنتج لنا عصابات القتل والخطف والاغتصاب، حيث وصلت الأحداث إلى أن يُخطف الأطفال بطريقة مروعة وينكل بأجسادهم…حتى أصبحت الفتاة الجزائرية التي كانت تغضي حياء، ترأس العصابات، وتسطو على المحلات، وصار الشاب الجزائري الذي كان يحمي الجارة، ويذود عن الحارة، ينافس الشيطان في الموبقات وانتهاك الحرمات،…وذلك كله باسم الحرية والتقدم، الذي لم نجن منه مع كل الأسف إلا التخلف الفظيع والتقزّم….