مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
غير مصنف

المرأة .. ومنزلتها المثلى / الدكتور .إبراهيم نويري

DOCTEUR NOUIRI تتباين النظرة إلى المرأة ـــ كما هو شائع ـــ بين الفلسفات والمذاهب والمنازع الفكرية السائدة في الأرض، غير أن المنزلة الأقوم للمرأة هي تلك التي كفلها لها خالقها جلّ وعلا كما هو ثابت بأدلة يقينية، وهذا المقال محاولة لبيان هذه القضية الإنسانية الحساسة التي أسالت حبراً كثيراً منذ فجر التاريخ.

يقول أحد فلاسفة الحضارة الرومانية القديمة: “المرأة هي أكبر مصدر للفوضى والإرباك في العالم، فهي مثل نبتة الدفلى التي ظاهرها جميلٌ مبهرٌ، لكنْ لو طعمتْها العصافير لماتت في الحال دون شكّ”!

وكان بعضُ الصينيين يصفون المرأة بـ “بحر البلاء”! .. وبالنسبة للبوذية فإن مكانة المرأة عندهم تُعرف من خلال قولهم: “إن أغوار المرأة لا تُسبر، فهي مثل مسار الأسماك في المياه، فشخصية النساء مسربلة بكثير من الحيل والخدع التي يصعب معرفة الصدق فيها، ذلك أن الكذب بالنسبة إليها كالصدق، والصدق كالكذب”!

ويقول كاتب يدعى (آند رويسكي): “يمكن علاجُ الحروق، وعَضُّ الثعابين.. إلاّ أنه من المستحيل ضمانُ ودّ النساء”!

لكن شاء الله أن تشرق أنوار الدين الخاتم ليصحّح هذا المسار وليبيّن للبشرية كلَّها مكانة المرأة ومنزلتها ودورها المحوري في الحياة، فقد نزل الوحي الإلهي الخاتم موضّحاً الأصل الواحد لكلٍّ من الرجل والمرأة، حيث يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم من نفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء:1). ويقول:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}(الحجرات:13). ويقول:{وَاللهُ جَعَلَ لَكُم منْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم منْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً}(النحل:72). ويقول:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}(النحل:97) .. فلم يذكر الله سبحانه وتعالى هذه الخلال والصفات الطيبة الصالحة في الرجال إلاّ وذكرها في الآن نفسه للنساء، ولقد أكّدها بوضوح كامل في قوله جلّ شأنه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}(التوبة:71). وقوله:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}(النور:26)…ثم بيّن رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- بأن “النساء شقائق الرجال” وفي خطبة الوداع الشهيرة ــ التي تمثّل بأدبياتها ومقرراتها دستوراً كاملاً في المعاملة وتنظيم الحياة ــ يقول: “استوصوا بالنساء خيراً فإنهنّ عندكنّ عَوَان” . ويزيد هذا المعنى ترسيخاً فيقول: “خياركم خياركم لنسائهم، وخيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” ..

بل إن رسول الله، صلى الله عليه وسل، ولتحقيق فضيلة رفع شأن المرأة، يبايع النساء بيعةً مستقلةً، ويأتيه “ابن عاصم المنقري” ليحدّثه عن ضحاياه المؤودات ــ خلال المرحلة الجاهلية ــ فيقول : لقد وأدتُ يا رسول الله اثنتي عشرة منهن! فيقول ــ صلى الله عليه وسلم ــ : “من لا يَرحم لا يُرحم، مَن كانت له أنثى فلم يَئدْها، ولم يُهِنْها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله عز وجلّ  بها الجنة “.

  ثم يقول ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ: ” مَن عَالَ جاريتيْن حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين ــ وضمَّ بين أصابعه الشريفة  ــ “. ثم يقول ــ صلى الله عليه وسلم ــ: ” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم لا يفتر، أو كالصائم لا يفطر“! ويأتيه رجل يسأل يا رسول الله: “مَنْ أحقُّ الناس بحسن صحبتي؟ فيقول له: أمّك، قال ثمّ مَن؟ قال: أمك، قال ثمّ مَن؟ قال: أمك، قال ثمّ مَن؟ قال: أبوك“.

 وفي رواية ذكرتها أسفار السنة الشريفة أن معاوية بن جاهمة السلمي يأتي إلى رسول الله ــصلى الله عليه وسلمــ من اليمن يريد الجهاد في سبيل الله، قاطعاً الفيافي والوِهَاد والوِجَاد. ولما وصل قال: يا رسول الله: أردتُ أن أغزو وجئتُ لأستشيرك. فقال له نبي الهدى ــ صلى الله عليه وسلم ــ: “هل لك أمٌّ؟ قال نعم، قال: ألْزمها فإن الجنة عند رجليها“.

لقد نَعِمَتْ المرأة في كنف الإسلام وفي ظلال تعاليمه وتشريعاته وأحكامه، واستعادتْ ذاتها وإنسانيتها التي كانت مُهدرة في الحضارات والأنظمة السابقة على الإسلام..لكن بعد التراجع الحضاري والأخلاقي والمدني للمجتمعات الإسلامية، اختلّت المعادلة مرة أخرى، حيث هيمنتْ أنماطٌ من العادات والتقاليد والتصورات، ما أنزل الله بها من سلطان، فأسهمتْ في زحزحة مكانة المرأة عن ذلك الشأو العظيم الذي رسمه لها الإسلام وأقرّه بعشرات النصوص القطعية في مصدريْه المعصوميْن: الكتاب والسنة.

والأمل معقود مع الصحوة الإسلامية المعاصرة في أن تُزيل الشّبهات والأخطاء التي مكّنت ألسنةً وأقلاماً كثيرة من الخوض في مسائل وشؤون المرأة المسلمة دون أيّ مُسكة من عدالة أو إنصاف .

 ولا نشكّ أبداً في أن تقديم صورة حسنة تُعجب الرائين وتُنصف تعاليم ديننا، أفضل ما نواجه به هؤلاء المتخوّضين في مسائل ومقاصد لا تدركها عقولهم الكليلة ونفوسهم العليلة، كما أنها أفضل طريقة للإستدراك على أخطاء الفهم والتطبيق التي سادت الكثير من المجتمعات الإسلامية واستطاعت تشويه الصورة الصحيحة التي توضّح منزلة المرأة في الإسلام .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى