مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
كلمة الرئيس

السلفية، وما قد سلف…

GUESSOUM111ويسألونك عن السلفية وما قد سلف، فقل إنها ذلك المصطلح المظلوم في مبناه وفي معناه؛ وكم في ثقافتنا من مصطلحات مظلومة، وكم في أمتنا من تعاليم مخرومة؟

فقد كثر الكلام في أيامنا هذه، عن السلفية تهويلا، أو تهوينا، وتناولها الناس بالعلم أحيانا، وبسوء الفهم أحيانا أخرى، ومع ذلك بقي التعسف، والظلم هو السائد في تقديمها، ووصفها، سواء من خصومها، أو من الذين يدعون الممارسة لشعاراتها، واتباع تعليماتها. وهل من اللائق فتح هذا النقاش اليوم –بالذات- حول السلفية، ما خلف منها وما سلف؟

أيا كانت الدوافع الداعية إلى ذلك فإن السؤال يبقى ملحا: ماذا تعني السلفية اليوم في عالم الصحوة الإسلامية، والربيع العربي، وزمن العولمة، والإسلاموفوبيا، وما يحيط بكل ذلك من تقدم علمي، وتطور تكنولوجي؟

ليس من السهل إعطاء جواب شاف وكاف، عن هذا السؤال المصيري المطروح، وإنما يمكن عن طريق الإشارات والتنبيهات القول بأن السلفية هي رمزية الانتماء ونموذجية الاقتداء، أي اقتداء المسلم الصالح ممن خلف بالرمز العالم العامل ممن سلف، وبعبارة أوضح، فإن السلفية تمثل ذلك الفضاء الفكري الممتد عبر التاريخ، للاتصال بالعقل السديد، كما تمثل العقل الحضاري المعتد بالرواد الماهدين، المتأصلين في الدعوة إلى التجديد.

فإذا تحولت السلفية إلى تُبَّعٍ وشِيَعٍ فقدت كنهها، وضيّعت جوهرها، وتحولت إلى حزبية متعصبة، تنخرها وتقتلها. من هذا المنطلق يمكن إعطاء تصور لمعنى السلفية في نقاط أصالتها، وسمو سنّيتها، ونموذجية قدوتها، وبهذا المفهوم لا يمكن أن تكون السلفية معادية للزوايا العلمية القائمة على الكتاب والسنة، ولا مضادة للحركة الإصلاحية التجديدية التغييرية، فالجميع يلتقون على قاعدة الإسلام المحصّنة، ويتعاونون على صد تيار الجمود، والتطرف، والبدعية المتعفنة، فما بال أقوام نكبوا بالسلفية، وهي هذا الانتماء المقدس إلى سلوك مخيف، وتديّن خفيف، وتطرف سخيف؟ وما بال البعض يشوهون ما تحتويه السلفية من كنوز، فيحصرونها في كل ما لا يجوز، ويحشرون أنوفهم في الجزئيات، حتى في قلب الرموز، وإيمان العجوز.

في هذا الجو المليء بالأفكار المضطربة، والمزدحم بالأقلام والعقول المنسلبة، يحاول المصطادون في الماء العكر أن يزجوا بجمعية العلماء في بحر الصراع مع الزوايا، أو السلفية، أو على الأقل بعض الخلايا.

لذلك نقول للمليونية من المرات، أن الجمعية رحم ولود يتسع لكل الأجنة الإسلامية الطاهرة. فالزوايا القائمة المستقيمة تجد نفسها، بكل رحابة داخل الجمعية. والسلفية بمفهومها الصافي التقي، ذات التوجه السنّي، الوسطي المعتدل، المستمدة لمنهجها من الفهم الصحيح للكتاب والسنة، تستقبلها الجمعية، بالأحضان، وستحميها بالقلب والعقل واللسان.

إنها حقائق نؤكد عليها، أسوة بعلمائنا الماهدين، الذين ما فتئوا يؤكدون هم أيضا على مقومات مرجعيتنا كجزائريين. فنحن كما يقول إمامنا محمد البشير الإبراهيمي: “مالكيون برغم [أنوف الجميع]، و[الوهابيون] حنبليون برغم [أنوف الجميع]، ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة، ونحن نعمل في طريق الإصلاح والأقلام، وهم يعملون فيها الأقدام، وهم يعملون في الأضرحة المعاول، ونحن نعمل في بانيها المقاول” (آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ج1، ص124).

ويقول الإمام الإبراهيمي في مكان آخر: “إننا نجتمع مع الوهابيين في الطريق الجامعة من سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وننكر عليهم غلوّهم في الحق، كما أنكرنا عليكم [الزوايا] غلوّكم في الباطل” (المرجع السابق، ص125).

بهذا التصريح الواضح الصريح، نزيل كل غموض وكل تلميح، ونعلن أننا سلفيون بالانتماء، وأننا صوفيون، بمعنى الصفاء الديني والاقتداء، وبهذا التأكيد نرفض التكفير كمبدإ، فلا نكفر أحدا من أهل القبلة. كما نرفض الشعوذة، والتدجيل باسم الدين، وإقحام الرقص،  والشطح، والبندير.

ونختم كما بدأنا بحكمة الإمام محمد البشير الإبراهيمي، بهذا الخصوص في قوله: “إن الجمعيات لا تبقى، ولا يُضمن لها الدوام إلا إذا كان في المعنى الذي أسّست لأجله عنصر من عناصر التجديد لطائفة أو لأمة، وتكون قواعد العمران، وأصول الأديان مقتضية له في حياة تلك الأمة الروحية والمادية” (المرجع السابق، ص129).

إننا بهذا التحديد السديد، والتعليق الدقيق والعميق، نبعد عن العمل الإسلامي الذي نؤمن به، كل من لبس من الجهل سرابيل، وكل من يتلصص باسم الدين، وندعو إلى دين ينبذ كل ألوان الشرك وما يقرب إليها من قول أو فعل. كما ندعو إلى منهج ديني يكفر بكل أنواع الغلو في التكفير، والتبديع، وما يقرب إليه من قول أو فعل، ونبرأ إلى الله من كل من يقحم ديننا السمح المتسامح في هذه الألوان من الانحراف، يمينا أو يسارا. ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى