وكلّما تحركت دواعي السخافة انكمشت معاني الثقافة، فلا تزال تنقلب القيم إلى أضدادها وتهدم الفضائل بعلاّتها حتى يصير السخيف الجديد مقبولا والطيب الأصيل مرذولا. والغريب أنّ التحولات المتكررة تمضي كأسراب الجراد المنتشرة، فتنخر الروح نخرا وتنحر العقل نحرا، وحينئذ تنطلق الشهوة ولا ضابط لها وتستبد الشهوة فلا وازع لها.
كنت أتمثّل هذه المعاني كلّما مررت بالمؤسسات التعليمية، فأرى جدرانها قد تشوّهت بالمشاهد الغرامية، فأسائل نفسي أهذه المؤسسات للتربية أم لسوء التربية؟ ويزيد النفس همّا وحسرات أن ترى كثيرا من التلميذات المراهقات صورة للغانيات في لبسهنّ ومشيتهنّ وخضوعهنّ. وأكثر اللائي في الجامعات عرضن مفاتنهنّ وتنافسن في البحث عن عشّاقهنّ. وهنّ اللائي سيوكل إليهنّ أن يكنّ أمّهات، فكيف يكنّ وقد رضين أن يكنّ فاتنات مفتونات.
ثمّ ما لي لم أذكر إلاّهنّ؟ أليس للرجال يد في فتنتهنّ؟
أولئك الشباب الذين صغرت مطالبهم فاكتروا سيارات ليست لهم، وقد بذلوا الجهد في تصفيف الشعرات حتى خرجت كأجنحة الحشرات، ذلك منتهى الإبداع العلمي الذي علموه، ومنتهى الإنجاز الحضاري الذي بلغوه. وأولئك الآباء الذين لا يعرفون لأبنائهم إلاّ الأسماء، ثمّ لا يبالون بهم أيّ شيء هم من الأشياء، يعطونهم من المال وفيرا ولا يسألونهم أأنفقوه خيرا أم لهوا كثيرا؟ وأولئك الإعلاميون جعلوا الإعلام تجارة جالبة ولو بأخبار كاذبة. وأولئك الحاكمون ما فكّروا إلا في ديمومة الكراسي ولو شغلوا الناس بأسباب الإفلاس.
ولو كان بعض الطرفين قد أساء لرجونا أن يصلح الآخر وبالغنا الرجاء، ولكن أصابني يوم الأربعاء الفائت بالخوف من الشرّ النابت. رأيت زحمة في الطرقات وإقبالا على المحلات ومبالغة في المشتريات ورأيت اللون الأحمر يغلب الهدايا والأعطيات، فإذا اليوم جعلوه للمتحابّين فخرجوا كالمجانين، يتبعون نزوات فالنتين. كأنهم ما عرفوا أنّ الحبّ عفّة وستر وأنّ النزوة تهتّك وعهر.
وليتهم علموا أنّ قدماء اليونان جعلوا للحبّ إلها أسموه ديونيزيس اتبعوا فيه خطوات إبليس، رقصوا فيه عرايا وسكروا مع البغايا، ظنا منهم أنّ ذلك تقديس لعودة الربيع بعد الصقيع رمز الحياة بعد الممات، وأما فلونتين وما هو بقديس فقد أحيا في الكنيسة طقوس ديونيزيس، فكان مشهدا من تحريف دين المسيح وما أكثر ما حُرّْف دين المسيح.
لست مفتيا ولكنّني أقول إنّ كلّ احتفال بفلونتين القديس هي عبادة لإبليس. فارجعوا عن غيّكم يا شباب الجزائر فإنّ رسالتكم اتباع النبي الطاهر (صلى الله عليه وسلم). وليت أولياء الأمر منّا تجعل شرطة للأخلاق تحمينا من كلّ انزلاق مقدّر ومن كلّ انحراف مدبرّ. فتلك أمانتهم التي سيسألون عنها.