حمى الله تونس، من كل مكروه

لا نريد لتونس، الشقيقة، -علم الله- إلا ما يريده لها الخُلّص من أبنائها، الذين أبلوا بلاء حسنا، في سبيل تحريرها من الأجنبي المحتل، وبذلوا النفس والدم من أجل إسقاط النظام الاستبدادي المختل.
نريد لتونس، أن تُؤنس، كما يدلّ اسمها عليها، وكما يعمل من أجل ذلك أبناؤها الأحرار، لا أن تُوحش، كما يفعل فيها، الـمُنْدَسُّون الأشرار، الذين يزرعون فيها الفتن، بالقتل والعنف، والدمار.
إن لتونس، حقا، على أبنائها وعلى كل عربي ومسلم أن يصون أرضها من عبث العابثين، وأن يحمي فرضها من الجهلة، والمتعصبين، حتى لا تكون سماؤها مثقلة، إلا بالغيث النافع، وفضاؤها غير ملونا إلا بالثلج الأبيض الناصع، فتصبح تونس خضراء اخضرار النماء، وبيضاء جلية الصفاء، ففي ذلك قضاء على جراثيم الأوبئة والداء، واستئصال لحشرات الكيد، وحبائل الصيد من الأعداء.
وبين ما نريده، ويريده المحبّون المخلصون لتونس، وبين ما يريده لها، الطامعون في خيراتها، والمتربصون بفلذاتها وثمراتها، لمختلفٌ جدا. فالمحبون لتونس، هم الذين كانوا مع معاناة تونس، في الليالي الحالكات، الذين ذاقوا المرّ من ويلاتها، ومسهم الضرّ من قهر سلطاتها، فقدموا للعالم أروع الأمثلة عن مقاومة الاستبداد، وحسن العدة والاستعداد، فطهروا البلاد من أوكار الفساد، وغدت تونس نموذجا حسنا، للتغيير الهادئ، السلمي، دون إراقة دم، ولا تشبث بصنم. لقد قدمت تونس، التغييرية، مثلا يحتدى في التعايش بين المختلفين قناعة، والمتفقين هدفا، فكانت هذه الثلاثية الحكيمة التي تحكم تونس باسم المؤتلف وضعا، المختلف طبعا.
وبينما نحن نتطلع إلى أن تعم التجربة التونسية، باقي أنظمة الربيع العربي، فيسودها أدب الاختلاف، ويشيع بين ربوعها العدل، والإنصاف، أبى المصطادون في الماء العكر إلا أن يعكروا الماء الصافي، ليصطادوا فيه، فيفسدوا على التونسيين عرسهم، ويشوشوا على المواطنين البُرءاء فهم درسهم، فقد أطلت الفتنة، بل الفتن برأسها، عندما طالت الساجد والمساجد، وتطاول البعض على العلماء والحكماء، وها هي اليوم تمتد إلى سفك الدماء، وقتل الأبرياء. فأيا كانت قناعة أي واحد، ودرجة تدينه أو إلحاده، فإن الأوطان يجب أن تتسع للجميع، وإن القضايا الإيديولوجية أو العقدية لا تحل إلا بشيئين اثنين لا ثالث لهما، هما الحوار والتسامح.
إننا –ونحن مختلفون دارا- لا نملك كل المعطيات لتوجيه أصابع الاتهام إلى جهة معينة، ولكن البديهي والمسلّم به، لدى الجميع، أن هؤلاء القتلة الذين امتدت أيديهم إلى معارض سياسي، هم لا يريدون الخير لتونس، لأنهم أعداؤها بالدرجة الأولى، ولذلك، لا ينبغي الحكم بالظن، في اتهام تونسي معين، فهذا الذي يزرع الفتنة لم يقتل وهو تونسي، ولا وهو عربي، ولا وهو مسلم، ولا وهو إنساني، والأنكى من هذا، أن تتعالى أصوات البعض داخل تونس أو خارجها، لتتهم حزب النهضة الحاكم، في حين هو الخاسر الأكبر في هذه الجريمة.
ليس مهما –إذن- أن يكون الإنسان في تونس، يمينيا أو يساريا، فمثل هذه الخانات إن هي إلا تسميات، لا معنى لها في عالم السياسة الوطنية. فالمهم أن يكون الإنسان في تونس، تونسيا في انتمائه، عربيا في حضارته، ومسلما في جذوره ومعتقده، كي يمكن التلاقي على قاعدة صلبة للبناء، تكون مضادة للزلازل والأهواء، إذا ما أريد لتونس أن يعلو بنيانها، وأن يستأصل شيطانها، فشيطان الأمس لا يزال قابعا في بعض العقول، بعد أن طرد من الحقول، وإن على التونسيين –على اختلاف مشاربهم- أن يتوحدوا ضده، وأن يتخذوه عدوا، إذا ما أرادوا أن يعيشوا في وئام وسلام.
فيا إخوتنا في تونس:
اعلموا أن الشيطان الذي يزرع العنف، والقتل والفتنة بينكم، لا يمكن أن يكون تونسيا، أو عربيا، أو مسلما، أو إنسانا، وإنما هو حرباوي المواقف، يدور مع المصلحة حيث دارت، فابحثوا عنه بين صفوفكم، فلعله يمثل بقايا فساد، أو عمالة عباد، أو جملة أحقاد، فعالجوه بوعيكم، واقضوا عليه بسعيكم، وضيقوا الخناق عليه بحكمتكم وهديكم، تعيشوا في أمن ووئام، ومحبة وسلام، وحمى الله تونس من كل فتنة وخصام.