شروق يوم الاثنين…منطق مقلوب وقول مسلوب/د.عبد الحفيظ بورديم
جاء في بيان القرآن خبر عن هدهد النبي سليمان، وددت لو تعلّم منه أهل الإعلام في بلاد الإسلام، ولو درسوه لعلموا أنّ الصدق في رواية الأخبار منوط بالكرام الأخيار، ولكنّ بعض الجرائد يفضلها طائر الهدهد، يفضلها في مشقّة تحرّيه ويفضلها في رصانته وتروّيه. ويكفيه أنّ اليمن صار سعيدا لمّا نقل عنه خبرا سديدا. وأيّ فضل يكون للصحافيين إذا برعوا في التحريف بينما ذو الريش يأنف من التزييف. وإنّها لعبرة لمن تنفعه الذكرى.
وكنّا نحبّ لجريدة الشروق أن تبرأ من التلفيق، ليجلس رواتها من نقلة الأخبار كراما في مدرسة هدهد الأطيار، فلعلّهم إن صدقوا في الرواية يكونون سببا في نشر الهداية، ولكنّها تزيّنت لمّا أشرقت يوم الاثنين بباطل زعمت- ويا قبح ما زعمت- لمّا كتبت بالتنصيص (أنّ ضعف جمعية العلماء أدّى إلى ظهور جماعات اللحية والقميص)[1].
واعجب أوّلا من حكمها الجائر على جمعية أرضعتهم لبان القول السائر، ألم يكونوا نسيا منسيا يوم كانت جرائد الجمعية تروي النفوس ريّا؟ وإن يكن ضعف قد أصابها فمن إضعاف مقصود طالها، ولو أنصف راويها لذكر أسباب تغييبها. فكيف ترمى بضعفها وتلك مدارسها قد حرمت منها، وتلك المنابر أبعدت عنها، وتلك القرارات لم تستشر فيها.
واعجب ثانيا من منطقها المقلوب وقولها المسلوب، زعمت أنّ (الضعف أدّى) ولقد قالت قولا إدّا. إن كان يخرج من ضعفها ما يؤذيهم، فلم لا يعملون بنصحها؟ وإن كان يؤول ضعفها حسرة عليهم فلم لا يتبعون رأيها؟ إن يريدونها إلاّ أن تحمل أثقالهم وهم في غمرة لاهية، وما يريدونها إلاّ أن تخوض حروبهم وهم في سكرة داهية.
واعجب ثالثا من كناية في غير موضعها كمثل حماقات لم تسبق إليها، أمن خوف لجأت إلى التعمية حين ذكرت جماعات اللحية؟ وهل بقصد التنقيص ذكرت جماعات القميص؟ إنّ الكنايات يؤتى بها للتعظيم والتفخيم ويؤتى بها للتقبيح والتقزيم؟ فإن قصدت جريدة الشروق ذات البروق تزيينا لا تقبيحا فقد كان ابن باديس من أهل اللحية والقميص، وإن أرادوا تعييرا وتجريحا فما يمنعهم من التصريح بالقول الفصيح.
فيا أهل الجرائد لن تبلغوا ريشة في جناح الهدهد، هو قال قولا صادقا وأنتم قلتم قولا ملفقا، وبفضله أسلمت اليمن وبكناياتكم تشعلون الفتن.