متى يكون البترو يورو بديلا للبترو دولار ؟!/عبد الباقي صلاي
يبدو أن اتفاقية ماسترخيت في فبراير من عام 1992 التي نجم عنها ظهور العملة الأوروبية الموحدة “اليورو” قد نجحت إلى حد كبير في ما قررته وفي ما تم الاتفاق حوله، وهو أن العملة الأوروبية الجديدة من أبرز أهدافها الكبرى المنوطة بها على الساحة النقدية العالمية هي الوقوف في وجه أخطبوط الدولار الأمريكي، وتنين الين الياباني، وكذا العمل على بلورة رؤية اقتصادية موحدة من أجل انتعاش حركة التكامل الأوروبي من عدة مناح، وتقوية على إثر ذلك اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي، والحفاظ على الصحة المالية والاستقرار النقدي.
اليورو خلال الفترة الأخيرة يعيش أزهى أيامه مقابل غريمه الدولار الأمريكي، وأوروبا الموحدة اقتصاديا وقد-تتوحد فيما بعد سياسيا-، تشهد انتصارا عز نظيره على جبهة الاقتصاد الأوروبي، هذا الاقتصاد الذي بات يتقوى يوما بعد يوم لقاء الخلل الحاصل على مستوى ميزان المدفوعات الأمريكي.
الأسباب قد تتعدد حول هذا الانحدار المروع لأعظم عملة عالمية شهدها التاريخ المعاصر، كان لها الدور الأبرز في معالجة السقوط الاقتصادي الذي عرفته أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عبر مشروع مارشال الشهير، وأول هذه الأسباب حسب إجماع كثير من المحللين هي سياسية بالدرجة الأولى، ناجمة عن تورط الرئيس بوش الرئيس السابق، والرئيس أوباما الحالي للولايات المتحدة الأمريكية وعلى وجه التحديد المحافظين الجدد في قضايا واسعة الشمول خارج محيط جغرافيتها، وثاني هذه الأسباب يخص عمق أمريكا ذاته.
أما عن السبب السياسي فكما هو معلوم لدى القاصي والداني أن أمريكا وإن تتمظهر بالقوة السياسية على نطاق عالمي واسع، بحكم ما تحوزه 4من غلبة عسكرية وتكنولوجية خارقة، بيد أن نفس هذه القوة مع كل يقين هي تتآكل من أطرافها العديدة يوما بعد يوم، أما عن السبب الثاني فهو من داخل أمريكا نفسها ويخص الشعب الأمريكي بشكل عام، لأن الأمة التي تمس في كرامتها عن طريق غزو خارجي بعد أن كانت تظن أنها آمنة ومطمئنة، لتجد نفسها فجأة قد أهينت عن بكرة أبيها فهذا حقيقي بأن يخلق لديها الذعر كما أنه كفيل بأن يصيبها في المقاتل.
باختصار شديد السمعة السيئة التي باتت عليها الولايات المتحدة الأمريكية خارج ديارها تحت القيادة الرعناء للمحافظين الجدد الذين اختفى دورهم في الفترة الأخيرة بعد مجيء الرجل الأسود للبيت الأبيض الأمريكي واللا إستقرار العاطفي، والاقتصادي، أثر بشكل مباشر على سمعة الدولار داخل الأسواق العالمية، وكان منطقيا أن يلتفت العالم إلى عملة بديلة تعوض هذه العملة السيئة السمعة فوجدوا قبالتهم اليورو كوحدة نقدية تستطيع أن تلعب الدور الريادي في السنوات القادمة، على علاّت هذا الاختيار نفسه أيضا.
ما ينتظر أمريكا في الأعوام الثمانية القادمة كأقصى تقدير حسب خبراء اقتصاديين هو مزيد من الانحدار في الدولار مقابل عملات أخرى كاليورو والين الياباني، ولو امتنع العالم خلال الأعوام الثمانية عن استخدام الدولار الأمريكي كعملة احتياطية متداولة لعادت كل تلك الدولارات عائمة إلى بلد مصدرها- أمريكا- مسببة تضخما هائلا، ولنتصور مدى التضعضع الذي سيكون عليه حال الاقتصاد الأمريكي لو أن العالم كله استغنى عن التعامل بالدولار المنهار؟.
عندما سئل الرئيس السابق “جورج بوش” عن هذا التدهور الحاصل على مستوى قيمة الدولار ردّ “بأن تراجع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى الرئيسية العالمية، يسهل مهمة المصدرين الأمريكيين في ترويج منتجاتهم في الأسواق العالمية، لأن ضعف الدولار يجعل سعر هذه المنتجات أرخص مقارنة بمنتجات أوروبا وفي نفس الوقت فإن أمريكا تحتاج إلى زيادة صادراتها بصورة كبيرة بسبب العجز التجاري الذي يبلغ خمسة فاصل ثلاثة في المائة من إجمالي الناتج المحلي” لكن هذه الإجابة لاقت استهجانا كبيرا من قبل مثقفين ومنظرين كُثر في أمريكا، بل إن وزير الخزانة الأمريكي السابق “بول أونيل” رفض هذه الرؤية من جانب إدارة الرئيس بوش معتبرا أنها “مفهوم بلا معنى” مرجعا السبب الحقيقي في تدهور الدولار إلى عامل الثقة الذي بات مفقودا لدى كل المستثمرين عبر الجهات الأربع للكرة الأرضية.
السؤال الجوهري الذي يدور في أخيلة العديد من المهتمين بما يجري على الساحة النقدية وما تعلق بالهبوط الحاد للدولار خلال السنوات الماضية، هو ماذا لو أن منظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” قررت إعادة تسعير بترولها باليورو بدلا من الدولار على أساس أن أغلب الدول المستهلكة لبترول أوبك تقع في أوروبا بصفة عامة؟..الإجابة بكل تأكيد سينخفض الدولار أكثر لو قررت منظمة أوبيك استعمال تسعير البترول باليورو لأن أمريكا ستلجأ إلى شراء اليورو وشراء البترول، وستكون النتيجة تزايد الركود الذي يعاني منه الاقتصاد الأمريكي، فضلا عن انهيار الإمبراطورية الدولارية بشكل شامل.
عندما قرر رئيس فنزويلا الحالي هوغو تشافيز عام 2001 أن يفك الارتباط مع الدولار ويتجه صوب اليورو، فما كان من الإدارة الأمريكية في العام التالي إلا أن دعمت بتعاون مشتبه مع وكالة الاستخبارات الأمريكية الانقلاب الذي كاد أن يطيح بتشافيز، فكما قال وكيل وزارة المالية في عهد رونالد ريغان بول كرايغ روبيرتز “لقد بدا واضحا تعاطف حكومة الولايات المتحدة مع من دبروا عملية الإطاحة بتشافيز ثم خجلوا من فشلها ولم يكن لانتخاب تشافيز ديمقراطيا كبير الأثر على القرار بانتخاب الجانب الذي ندعمه” والأوضح من كل هذا أن أمريكا لم تكن لتقبل بهذا التوجه الجديد نحو عملة غير عملتها الدولار.
الإيرانيون بدورهم يحاولون تحدي أمريكا عن طريق فتح البورصة التجارية النفطية الخاصة الثالثة في العالم بعد بورصتي لندن ونيويورك، وهذا لا يمثل عائقا كبيرا حقيقة أمام أمريكا في حال ما بقيت صفقات بيع الذهب الأسود- النفط- بالدولار، لكن إيران مصممة من وراء فتح البورصة التجارية النفطية أن يكون التعامل باليورو، وهنا مربط الفرس والسبب الجوهري الذي يجعل أمريكا تتحرش بإيران وتحارب سوريا بالوكالة، وتتوعدها بضربة تأديبية في المستقبل القريب، كذلك سوريا التي أعلنت أنها ستبدأ منذ 20 آذار من عام 2008 باستخدام اليورو في جميع تعاملاتها الدولية، في اليوم الذي يفترض أن تبدأ فيه البورصة النفطية الإيرانية، فهلا فهمنا سبب عداوة أمريكا لإيران ولسوريا وسر الحرب على سوريا في الوقت الحاضر باسم تحرير الشعب السوري؟.
أمريكا تتوهم أن إيران كالعراق أو كصدام حسين الذي دفع حياته ثمن القرار الذي طبقه في خريف 2000 والقاضي ببيع البترول مقابل اليورو وليس الدولار في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء، وربما التأكيدات والتطمينات التي ما فتئ الرئيس الإيراني أحمدي نجاد يطلقها في كل مناسبة، وغير مناسبة حول عدم لجوء أمريكا إلى ضربها، يؤكد مرة أخرى أن إيران قد فهمت فحوى اللعبة كون الانهيار الأمريكي على مستوى اقتصادها قد بلغ مبلغه، وصراحة هجوم الحادي عشر من سبتمبر عام ألفين وواحد على برجي التجارة العالمية لم يكن اعتباطيا من قبل تنظيم القاعدة، بل كان محسوبا بدقة، ومحسوبا لهذه المرحلة الحرجة التي تعيشها أمريكا اقتصاديا ونظام المحافظين الجدد.
فماذا تنتظر الدول العربية المنخرطة ضمن منظمة الأوبك كي تسرع من وتيرة الأمور لنجدة اقتصاداتها الذي هو ريعي يعتمد فقط على المداخيل البترولية، وتفك ارتباطها عن الدولار، أليس حريا بها أن تبحث عن مصالحها أولا، ومصالح شعوبها التي تعيش على ميزانية مبنية خصيصا على السعر المرجعي للبترول المقيم بالدولار المنهار؟.
الوقت مناسب جدا للدول العربية كي تقرر وبشجاعة فك ارتباطها عن الدولار والتعامل مع العملات العالمية الأخرى وفق ما تقتضيه المصلحة الخاصة، وإذا كانت أمريكا تبحث عن مصالحها من باب البترودولار، فلتبحث الدول العربية هي الأخرى عن مصالحها من باب البترو يورو.
ولتكن قدوة الدول العربية روسيا والصين وكوريا الشمالية وفنزويلا الذين وجهوا صفعة قوية لواشنطن عندما بادروا بإعلان الطلاق البائن مع الدولار، وكان ذلك قرارا سليما مليون بالمائة، لأنه من غير المنطقي البتة أن تبيع ثروتها من البترول بعملة رخيصة وتتعامل تجاريا بعملة هي في كل يوم في ارتفاع مطرد، وهل من الحكمة أن نبقى نحترم عملة أهلها يقولون عنها أنها باتت سيئة السمعة؟
إعلامي ومخرج أفلام وثائقية