القضية الفلسطينية:الواقع، والمتوقع/ الأستاذ محمد الحسن أكيلال
لم يعش الوطن العربي خلال تاريخه الممتد على مدى عشرة قرون ما عاشه خلال السنوات العشر الماضية، خاصة خلال السنوات 2001- 2012، السنوات الأشد سوادا وقتامة – خاصة فيما يتعلق بالقضية المحورية – قضية فلسطين- التي بسببها تعيش كل البلدان العربية هذه الأوضاع المزرية والمأساوية لكثير منها.
لقد هلل الكثيرون حين رأوا جماهير الشعب التونسي تهب هبوب العواصف الهوجاء للإطاحة بالنظام والحكم والرئيس “زين العابدين بن علي” الذي أوصل تونس – حسب الثوار التونسيين- إلى الحال التي جعلتهم يقومون بالثورة ضده، وككل الثورات يقوم بها المجانيين ويستغلها الجبناء، كما قال الزعيم الصيني العظيم “ماوتسي تونغ “
بعد تونس اندلعت الثورة في جمهورية مصر العربية، أطيح بالرئيس “حسني مبارك” وسجن مع ابنيه وأهم وزرائه، وتغير الحكم والنظام شكلا، ولكنه بقي مضمونا وجوهراً.
نفس الشيء حدث في اليمن، ثم في سوريا التي يبدو أن العالم، والقوى الكبرى المتحكمة فيه تريد من سوريا أن تنحو منحى العراق اتجاه التفكك والتمزق لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية ودولتها المدللة “إسرائيل”
مر العالم العربي خلال القرن الماضي بأشد مراحله قتامة من حيث الهيمنة الاستعمارية الممنهجة التي لم تدع مجالا من مجالات الحياة إلا وتدخلت فيه وأدخلت عليه التعديلات التي تراها مناسبة لخلق الأوضاع التي تريد الدول الغربية الكبرى إيجادها في أوساط المجتمعات العربية التي بالضرورة ستؤدي إلى الهدف المرسوم لها سلفا. والمتمثل في جعل الأمة العربية في حال من التخلف العلمي والتقني والاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي من شأنه تركيع كل الأمة أمام الجبروت الصهيوني.
هذه المراحل كلها تمحورت حول:
– نكبة عام 1948 وتهجير أغلبية العرب الفلسطينيين.
– نكسة حزيران عام 1967 واحتلال كل أرض فلسطين.
– استسلام مصر بتوقيع اتفاقية “كامب دافيد” عام 1978.
– – استسلام كل الدول العربية بتبنيها لمبادرة السلام العربية كخيار استراتيجي عام 2006.
خلال هذه المفاصل التاريخية شنت دولة الكيان الصهيوني مجموعة حروب شرسة انتهت كلها بانتصار ساحق وظف لتكريس الإحباط والهزيمة في الشعور الجمعي العام للأمة إلى حين اندلاع الحرب بين المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله والجيش الإسرائيلي، هذه الحرب رغم انعدام التكافؤ في العدد والعدة، فقد أذاقت دولة الكيان الصهيوني لأول مرة في تاريخها مرارة الهزيمة.
واقع الغرب الإمبريالي
بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت الولايات المتحدة الأمريكية كأقوى قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية ترفع لواء النظام الرأسمالي العالمي، أزاحت المملكة المتحدة من المناطق التي كانت تحت سيطرتها واتفقتا على التسيير المشترك والتنسيق في إدارة شؤونها الاقتصادية والأمنية والسياسية، كما دفعت بطريقة غير مباشرة فرنسا لإخلاء الكثير من مستعمراتها من قواتها العسكرية وفرضت عليها الإذعان لقراراتها ومواقفها خاصة فيما يتعلق بمناطق النزاع – سابقا- بين الغرب والشرق – وحاليا- في مقاومة التمدد الصيني في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.
الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وجدت نفسها تنفرد بالتحكم في كل شؤون العالم، ولكونها معتادة على دبلوماسية القوة منذ حرب الفيتنام، فقد واصلت العمل بنفس الأسلوب متناسية كل التكاليف المادية والمعنوية التي تنخر جهودها.
لقد أنفقت الولايات المتحدة مبالغ خيالية في حرب فيتنام وفي الحروب العربية الإسرائيلية، حرب جوان 1967، حرب أكتوبر 1973 حرب عام 1982 ضد لبنان، حرب العراق الأولى والثانية حرب أفغانستان.
إضافة إلى كل هذه التكاليف المالية الباهظة، هناك تكاليف أخرى غير مالية تمثلت في السمعة السيئة لأمريكا لدى أغلبية شعوب العالم بما في ذلك شعوب البلدان الغربية.
حاليا ها نحن نرى أمريكا وكأنها في حالة استراحة المحارب وهي ترى فرنسا تتدخل عسكريا في ليبيا لإسقاط النظام والعقيد ثم تتدخل في مالي لإنقاذها من التقسيم، وهي تعلم علم اليقين أن الدخول في حروب كهذه ستكون تداعياتها خطيرة على الأمن والسلم في العالم؛ لكن ماذا يمكن لها أن تفعل وهي تعاني داخليا ما تعاني من أزمة مالية خانقة ومديونية تهددها بالإفلاس.
لأمريكا الآن، في عهد باراك أوباما الاختيار بين أمرين:
– إما الحفاظ على مصالحها الحيوية بترك دولة الكيان الصهيوني وشأنها، ونسيان فكرة أمن إسرائيل شيء مقدس.
– أو مواصلة النهج القديم في الدفاع عن أمن إسرائيل إلى حين إعلان الإفلاس الكامل ماليا وسياسيا وأمنيا والقبول بمرتبة الدولة الثانية في مجلس الأمن الدولي الذي لا بد أن يتغير قانونه الأساسي ويفتح المجال لدول أخرى، ويلغى فيه حق الفيتو لصالح التسيير الديمقراطي للأمم المتحدة، وهنا لا شك أن دولة فلسطين التي منحت العضوية الناقصة، ستمنح لها العضوية الكاملة لتحاكم دولة الكيان الصهيوني كمجرم حرب وتـطرد من فلسطين المحتلة أو على الأقل يحدث لها ما حدث للبيض في جنوب إفريقيا.