البُعد الإنساني في دعوة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم”/الشّيخ بن يونس آيت سالم

خلاصة لمحاضرة بدار الحديث تلمسان
“البُعد الإنساني في دعوة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم”
ألقى الشّيخ بن يونس آيت سالم محاضرة بقاعة المحاضرات بمدرسة دار الحديث بتلمسان يوم السّبت 07 ربيع الأوّل 1434 هجرية، الموافق لـ: 19 يناير 2013 بعد صلاة العصر مباشرة، بعنوان: “البُعد الإنساني في دعوة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم.”
ومن سرّ اختيار هذا العنوان كما أشار المحاضر يعود لعدّة أسباب منها:
– النّاس لا يعرفون الكثير عن هذا الجانب.
– المعاناة التي تعيشها البشرية اليوم –ونحن جزء منها- مردّها إلى غياب الإنسانية.
– كثير من المسلمين المتديّنين تجدهم بعيدين كلّ البعد عن أخلاق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في السّاحة.
كما استهلّ الشّيخ بن يونس محاضرته بمقدّمة ليلج بها صلب الموضوع على أنّ سيرة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ولود معطاء.
وأنّ سيرته صلّى الله عليه وسلّم هي سيرة إنسان أكرمه الله تعالى بالرّسالة.
وأنّ الدّارس والممحّص لسيرته صلّى الله عليه وسلّم يجد أنّه أعطى للحياة كلّ شيء، ولم يأخذ منها شيئا.
وأنّه صلّى الله عليه وسلّم مفطور على حبّ الحُسن والجمال، وسيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم اجتمع له الحُسن والإحسان.
فشغف النّاس بحبّه، وأحبّه كلّ من عرفه أو تعرّف عليه وأُعجب به حتّى الشّواذ من غير المسلمين.
وكان عليه الصّلاة والسّلام له نصيب كبير من الإنسان الحاني والمهتمّ بآمال النّاس وآلامهم.
فعلى الرّغم من دعوته عليه الصّلاة والسّلام إلى التّوحيد ومحاربته للشّرك والبدع، واتّصالاته بالملوك والزّعماء، لم يتوان في العطف على الأرامل والانحناء على الجواري، وحبّه حتّى للجماد.
الموضوع:
وقفة مع العنوان، فكلمة “البُعد” تعني الاتّساع في المدى والمسافة… ومن معاني البُعد أيضا هو الرّأي العميق، والحَزم.
إذ أنّ في موضوعنا الغاية والمرامي إلى تجسيد الإسلام على أرض الواقع، حقيقة تلمسها الأيدي وتراها الأعين.
أمّا كلمة “الإنساني” كلّ من كان يحبّ خيرا بطبيعته للنّاس، وهو كلّ عمل حميد ومفيد فهو إنساني.
وأشار الشّيخ المحاضر إلى أنّ محاضرته بنيت على أربعة محاور أساسية في صفات الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وهي الرّحمة والعدالة والمحبّة ورعاية مصالح النّاس.
1) الرّحمة: قال الله تعالى في حقّ عبده ونبيّه صلّى الله عليه وسلّم: “وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين.” كانت الرّحمة مهجته عليه الصّلاة والسّلام. فقال عن نفسه: “إنّما أنا رحمة مهداة.”
أشار سيّد الخلق عليه الصّلاة والسّلام إلى أنّ يتمه لم يفرض عليه أن يكون رحيما بمن حوله، كلاّ فقد أخطأ من زعم هذا. إنّما هي فطرة فطره الله عليها.
وقد شرّع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في الدّين الذي جاء به نظاما مضمونه الرّحمة لمن يتّبعونه فقال عليه الصّلاة والسّلام: “ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السّماء.” وقال أيضا: “لا تُنزع الرّحمة إلاّ من شقي.”
ونهيه صيام المسافر، وتخفيفه في الصّلاة حين يسمع صبيا يبكي رحمة به وبأمّه، ورحمته بالوالدين العاجزين لمّا استأذنه شاب ليجاهد، فلمّا علِم عليه الصّلاة والسّلام بوجود والديه، قال له عليه الصّلاة والسّلام: ففيهما فجاهد.
ومن صفاته عليه الصّلاة والسّلام أنّه يُبرز الجانب الإيجابي عن الجانب السّلبي أو السّيّء لمنظر ما.
وحيرة الأعرابي من تقبيل الرّسول عليه الصّلاة والسّلام لأبنائه، فقال له عليه الصّلاة والسّلام: أوَ أملك إن نزع الله من قلوبكم الرّحمة.
والمرأة الباغية التي دخلت الجنّة في كلب، حين رحمته فسقته ماء من بئر؛ والمرأة الأخرى التي دخلت النّار في هرّة حين انتزعت منها الرّحمة فما أطعمتها وما تركتها تأكل من خشاش الأرض.
ويوم مات ابنه عليه الصّلاة والسّلام إبراهيم فمن رحمته حزن وبكى، وقال: العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلاّ ما يرضي الرّبّ.
2) العدل: هو سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وطريقته وشريعته. كان يرفض كلّ امتياز في قوله تعالى: “إنّما أنا بشر مثلكم يُوحى إليّ.” وقال عن نفسه لمن تسوّل له نفسه بوصف الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بغير العدل: “فمن يعدل إن لم أعدل؟”
ومن عدله عليه الصّلاة والسّلام خوفه على الظّالم وتماديه في ظلم من كانت وصايتهم عليه، والقدرة عليهم: “اُنصر أخاك ظالما أو مظلوما” قالوا: ننصره مظلوما يا رسول الله فكيف ننصره ظالما؟ قال: “أن تمسكوا على يديه.”
بل تعدّى عدله حتّى مع غير المسلمين، قال الله تعالى: “ولا تكن للخائنين خصيما.”
3) الحبّ: يُبيّن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في حديثه الشّريف للمؤمنين أنّ من كمال الإيمان وجوب أن نتحاب بيننا، قائلا: “لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا ألا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السّلام بينكم.” بمعنى أنّ الإيمان الكامل معلّق بالمحبّة، وفي حالة غياب المحبّة بين المؤمنين وإظهار تكشيرة الجبين وعبوسة الوجه لمن حولنا من باب كمال الإيمان، كلاّ بل هي من نقص الإيمان، وإغضاب الله تعالى.
فالحديث حاث المؤمنين بجعل المحبّة ثقافة سائدة بين النّاس. لأنّه قد وصل الحدّ ببعض الدّعاة في العالم أن مُسحت الابتسامة من شفتيهم. كيف لا وهم يدعون إلى التّأسّي بسيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي أحبّ جبلَ أحد، فقال: “أُحد جبل يحبّنا ونحبّه.”
وأنين جذع النّخلة لفراق الحبيب له بعدما كان يتّكئ عليه في خطب الجمعة، فيأتي عليه الصّلاة والسّلام ويربّت عليه ليهدأ الجذع.
4) رعايته صلّى الله عليه وسلّم لمصالح النّاس: الذي يطبّق ما جاء في القرآن العظيم لكلّ كبيرة وصغيرة، عليه أن يكون نبيّا مصطفى من خيرة خلْقه، ومختارا من أقوى وأخلص عباده ليوصف بقرآن يمشي على الأرض مرّة، أو يوصف مرّة أخرى بكونه كان خلقه القرآن.
وبالتّالي يشهد على ذلك الصّديق والعدوّ في القديم والحديث، لقوله تعالى وهو أصدق القائلين: “ورفعنا لك ذكرك.”
ولرعايته عليه السّلام لمصالح النّاس تبنّى الرّسول صلّى الله عليه وسلّم اقتسام الأشاعرة يوم فقدوا ما يأكلون فقال الأشاعرة أنا منهم وهم منّي.
وبعد هذه الجولة في رحاب سيرة النّبي عليه السّلام، ما علينا إلاّ أن نقتدي بالحبيب صلّى الله عليه وسلّم حتّى نكون من خِيار النّاس وإلى الصّحابة أقرب رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدّين
وفي الختام كلّلت المحاضرة بالإثراء المتمثّل في التعقيب أو الأسئلة، فلخّصتهما كالتّالي:
إنّ مُثُل الأخلاق العليا التي بناها سيّد الخلق صلّى الله عليه وسلّم وأكّد عليها لأتباعه إلى يوم الدّين إنّما من سلوك العرب المشهورين بالجود والكرم والشّجاعة وحتّى غضّ الطّرف للجار وأهله، والتي قال عنها الرّسول: “إنّما بعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق.”
وبما أنّنا كنّا نستمع إلى المحاضرة ونحن في حضرة ذكر النّبي صلّى الله عليه وسلّم في صفة الرّحمة التي نكاد نفتقدها، ما هي إلاّ مفهوم واسع عند الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وليس بمفهوم الشّفقة، كأمانة النّاس في أموالهم وأسرارهم وصِلة الرّحم…
وأجمل صورة تقدّم في هذا المضمار أمثلة حيّة في بلاد الميزاب الذين يطبّقون ويقومون بجانب التّعاون والألفة والمحبّة بواسطة هيئة عليا محترمة وهي “العزّابة”
أمّا أحد الشّباب الحاضرين فأثار موضوعا هاما أرهق المسلمين الغيورين على دينهم تجاه غير المسلمين ومن نهج نهجهم من بني جلدتنا المتمثّل في تطبيق الحدود في الشّريعة كالإعدام وقطع يد السّارق وجلد أو رجم الزّاني حتّى الموت… كيف نردّ على هؤلاء؟
لا يُنكر أحد أنّ ما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم هو الحقّ من عند الحقّ سبحانه وتعالى وهو رسالة سلام.
أمّا الحدود والقصاص للمخالفين لشرع الله والمعتدين على حُرمات الله وعباده، فأوجب العقوبات شريطة أن يُوفّر الحاكم لرعيّته كلّ الظّروف الحسنة للحياة، فإن تعدّي على حدّ من حدود الله وجب القصاص.
وعلى الرّغم من ذلك لم يسرِع الرّحمة المهداة صلّى الله عليه وسلّم بتنفيذ عملية الرّجم للغامدية، حتّى تلد ولمّا عادت قال لها حتّى ترضعيه وتفطميه، ولمّا شهدت على نفسها بالزّنا وأصرّت على الحدّ لتلقى ربّها وقد تطهّرت ثمّت قام عليها بالرّجم.
والعملية نفسها مع من شهد على نفسه بالزّنا أيضا وفي كلّ مرّة يقول له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعلّك لامستَ، لعلّك قبّلتَ… فلمّا شهد الرّجل على نفسه بالزّنا أربع مرّات أمر الرّسول عليه الصّلاة والسّلام برجمه ليطهّره.
أمّا قطع يد السّارق فقد عطّل الخليفة عمر بن الخطّاب حدّ السّارق عام الرّمادة، لأنّ السّارق سرق من أجل سدّ رمق الجوع فقط، وليس من أجل الغنى.
تلمسان: 08 ربيع الأوّل 1434 هجرية، الموافق لـ: 20 يناير 2013
الأستاذ محمّد بومشرة
مكلّف بالإعلام والثّقافة
المكتب الولائي *تلمسان*
جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين