يوم دراسي في سيدي بلعباس /الأستاذ محمّد بومشرة

استجاب وفد من مدينة تلمسان متكوّن من الشّيخ بن يونس آيت سالم والدّكتور عبد الحفيظ بورديم والأستاذ محمّد بومشرة و الشّيخ عزّ الدّين ماحي والأستاذ محمّد الهاشمي والدّكتور عبد الرّزّاق جعلوك والأستاذ محمّد برويجل والأستاذ خالد الشّريف والأستاذ عبد الحميد بختي للدّعوة التي تستحق تلبيتها ولو حبوًا والتي وجّهتها جمعية مولود قاسم إحياء التّراث الثّقافي والتّاريخي والعلمي للجزائر، مقرّها بولاية سيدي بلعباس؛ بمناسبة تنظيمه يوما دراسيا بقاعة دار الثّقافة بحي سيدي الجيلالي بولاية سيدي بلعبّاس، يوم السّبت 01 ربيع الأوّل 1434 هجرية، الموافق لـ: 12 يناير 2013، تحت عنوان: المدرسة الجزائرية وأثرها في بناء الشّخصية الوطنية. من تأطير دكاترة وأساتذة من الوزن الثّقيل.
وابتدئ النّشاط بتلاوة آيات من القرآن العظيم، ليليه الاستماع للنّشيد الوطني وكان المنشّط الأستاذ الكريم مراد بن شاعة النّائب الأوّل لرئيس الجمعية.
تقدّم الدّكتور عبد القادر فضيل إلى المنصّة ليلقي علينا محاضرته الموسومة: “واقع الجهد المدرسي في بلادنا بعد نصف قرن” فعبّر عن نتائج الإصلاح السّلبية المؤثّرة على التّلاميذ، وكان من اللاّزم إبراز مواطن الضّعف التي يجب علاجها.. وعدم الالتفات والاهتمام بأرقام النّجاح والشّهادات.
ثمّ صعد المنصّة الدّكتور علي بن محمّد ليلقي على مسامعنا محاضرة بعنوان: “دور المدرسة الجزائرية في وضع الأسس المتينة للنّهوض الثّقافي والتّجديد الحضاري” حيث بيّن الجانب السّلبي من الإصلاحات التّربوية، ووضّح بأنّ استعمال المصطلح الإصلاحات يكون من منطلق الفساد، وليس من منظومة تربوية أنجبت رجالا لهم شهادات علمية ميدانية في العالم. وليس بتدفّق المعلومات للمعلّم الحالي بدون تكوين ليلقّنها للتّلميذ.
كما أوضح نسبة النّجاح في البكالوريا في عهدته الوزارية المقدّرة بـ 25%، وبعدها صار اختلال في الميزان ووساوس في الأرقام.
كما أشار إلى دور المدرسة بجميع أطوارها، واللّغة غير العربية يجب استعمالها علميا بوسائل للتّجديد الحضري كلّما كبرت وشاخت.
فكان هذان الأستاذان العملاقان الشّامخان شموخ الأشجار المثمرة تمكّنتُ من التّسّلّق لقطف الثّمار النّاضجة من محاضرتهما، غير أنّ الدّكتور عمّار جيدل فكان كالبحر العميق بل كان كأحد المحيطات فلم أتمكّن من الغوص في أعماقه، ولا السّباحة على شاطئه بل اكتفيتُ بتبليل أقدامي، لعدم وجود ملابس السّباحة ووسائلها.
فكانت محاضرته الموسومة: “العلوم الشّرعية وتكوين الشّخصية الوطنية” استهلّ محاضرته بإشارة إلى الفرق بين العلوم الشّرعية التي هي مشروعة كالطّبّ والهندسة والرّياضيات والصّيدلة… وعلوم الشّريعة التي هي كلّ العلوم المتعلّقة بالدّين الإسلامي كالميراث والقراءات والفقه وأصوله…
ثمّ عرّج ليضع حدّا لبعض المصطلحات المربكة كالدّين والعِلم، والدّين والدّنيا، والدّين والآخرة.. فكان الدّكتور جيدل عمّارا للمعلومات والمصطلحات كالأصداف المحتوية على المرجان في أعماق المحيطات، فلم أتمكّن من حسن السّباحة لكون البحر كان هائجا كعادته بالأمواج المعلوماتية.
وممّا كان مبرمجا من قِبل جمعية مولود قاسم إكرامية نجدّد بها نفسا عميقا لنخرج من البحر الذي كنّا فيه، والذي وصفه شاعر النّيل حافظ إبراهيم:
أنا البحر في أحشائه الدّرّ كامن *** فهل سألوا الغّواص عن صدفاتي.
وبتوفيق من الله عدنا إلى القاعة وكان العود أحمد لنحضر ندوة مع الدّكاترة المحاضرين الأستاذ عبد القادر فضيل والأستاذ عمّار جيدل والأستاذ علي بن محمّد برئاسة الدّكتور الحبيب مونسي.
فكانت الكلمة الأولى للأستاذ عبد القادر فضيل ليوضّح انحدار المدرسة الجزائرية على الرّغم من وجود رجال ووسائل التّطوير.
ثمّ الأستاذ علي بن محمّد ليبيّن الغياب التّام لجمعيات أولياء التّلاميذ، إلاّ عند المشاكل بين المربّي ومن حوله أو عند توزيع الجوائز، أمّا الحديث عن التّعليم ومناهجه فهو غير موجود.
أمّا الأستاذ عمّار جيدل فاضطرّ ليغوص بنا في المجتمعات المسلمة المتديّنة مع مراعاة شعاب حياتها.
وفي ختام اليوم الدّراسي كانت بتدخّلات الحاضرين بتعليقاتهم وطرح أسئلتهم وانشغالاتهم للدّكاترة المحاضرين، فلخّصت النّقاش المثمر في سطور :
في الثّمانينيات يوم كنّا ندرّس بمنهج التّعليم الأساسي كان المربّي يشعر بانتمائه إلى وطنه وأنّه يؤدّي رسالة عظيمة تحتاج إلى الإثراء لنبلغ الهدف المنشود من المدرسة الأساسية إسلامية الرّوح، عربية اللّسان، جزائرية المنهاج.
لكن التّغريبيّين الذين اغتنموا فرصة الفوضى ليقلبوا الموازين لحظة التّغييب والإقصاء وبدأت بعض الأصوات النّاعقة والزّاعقة تطلب في زعمها بالإصلاحات وما هي إلاّ “إسلاخات” كما سمّاها الرّئيس الرّاحل أحمد بن بلّة.
وبعد عقود بدأت تطفو نتائج “الإسلاخات” التي قادتها لجنة تغلّب عليها الجانب التّغريبي–طالع كتاب بعنوان مائة يوم مع لجنة الإصلاحات التّربوية، للأستاذ رابح خدوسي.-
لنبدأ نشمّ روائح نتنة أدّت بتضخّم في نسبة نتائج البكالوريا وكثرة المواد وتضخّم المعلومات وتعدّد الكتب المدرسية مع الحشو للمتعلّم، وسوء التّوافق بين المواد المبرمجة بالحجم السّاعي.
حتّى أنّه انتشرت ظاهرة الدّروس الإضافية بالأجرة في المواد العلمية طبعا، كما أنّ الممتحن في السّنة الخامسة إبتدائي يمتحن مرّتين في ثلاث مواد فقط وهي اللّغة العربية والرّياضيات والفرنسية مع إهمال التّربية الإسلامية والمواد الأخرى…
وظهرت في الأخير عيوب الإسلاخات بعد خمس وعشرين سنة منها نسبة عالية من النّاجحين في شهادة البكالوريا ليلجوا الجامعات، ثمّ يتخرّجوا بالشّهادات واجدين أنفسهم في بطالة تقنية.
ثمّ يرغبون في العمل بقطاع التّعليم بأيّ طور كان دون تكوين، أو العمل كمساعد تربوي بعدما أنهى تعليمه بالجامعة وحصّل على ليسانس في البيولوجيا أو الرّياضيات أو الفيزياء…
أمّا نسبة نجاح المتأهّلين إلى السّنة الأولى متوسّط مرتفعة جدّا مع إضافة امتحان استدراكي لتصل نسبة النّجاح إلى السّدّة وبالتّالي ينجح الجميع إلى الطّور الثّالث بالضّغط على التّلميذ وعلى الجهة المستقبلة باسم القانون أو التّشريع المدرسي، ليصل الطّالب إلى الثّانوي وهو يبدو منفوخ الظّاهر فارغ المحتوى.
وفي الأخير تقدّم رئيس جمعية مولود قاسم الأستاذ هشام بشير بويجرة ليعلن عن ختام اليوم الدّراسي متأسّفا عن غياب المعنيّين بالأمر من قطاع التّربية والتّعليم بالولاية على الرّغم من تقديم دعاوى لهم عن طريق مديرية التّربية، كما شكر الحاضرين الذين لبّوا الدّعوة من باتنة ووهران والبيّض ومشرية وتلمسان، مع تشكّراته الخالصة والمضاعفة للسّادة الدّكاترة المحاضرين، على لقاء آخر مع موضوع ذي أهمّية بالغة.
تلمسان: 01 ربيع الأوّل 1434 هجرية، الموافق لـ: 12 يناير 2013.
الأستاذ محمّد بومشرة
مكلّف بالإعلام والثّقافة
المكتب الولائي *تلمسان*
جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين