من وحي ذكرى المولد: ضرورة العودة إلى تعاليم محمد (ص)
من وحي ذكرى المولد: ضرورة العودة إلى تعاليم محمد (ص) فهما وتطبيقا لا تحريفا وابتداعا..!
كانت الجزيرة العربية في العهد الجاهلي منطقة تجتمع فيها كل أشكال الأوباء النفسية والفكرية، ولم تكن خاضعة لنظام يجمع القبائل المتشاكسة على كلمة سواء في إطار إنساني متحضر، بل عاشت تستلهم حياة الغاب في تعاملها فيما بينها، فكان القوي يأكل الضعيف الذي لم يكن يجد مكانا له في هذه المعادلة الاجتماعية الصعبة..!
وما كانت الأمم القوية في ذلك الوقت، التي كانت تتحكم في مصير بعض الأعراب هنا وهناك، تتوقع أن يحدث انقلاب عام في هذه المنطقة الصحراوية القاسية المنعزلة عن الحضارة إلى أن جاء النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- فغيَّر بعد سنوات من الجهاد العام المتواصل الطبيعة العربية المتوحشة إلى طبيعة متحضرة لها محلها من الإعراب، إذ استطاعت الأمة العربية بالإسلام الذي جاءهم به محمد -صلى الله عليه وسلم- أن تصبح في ظرف قياسي- في حساب عمر الحضارات والأمم- إلى أمة قائدة تُعَلِّم العالم كله معنى الحضارة العادلة المؤمنة، وأسَّس هؤلاء العرب الذين كانوا بالأمس القريب رعاة إبل وغنم “المدينة الفاضلة” التي حلم بها المفكرون والحكماء والفلاسفة، فأبهروا الإنسانية المنصفة بهذا الإنجاز الحضاري الضخم، وكانوا بحق خير أمة أخرجت للناس بشهادة الخالق رب العالمين الذي قال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } آل عمران110.
بيد أن العرب بعد فترة من التصالح مع السماء ظهر فيهم تحول غريب إذ أداروا ظهورهم لتعاليمها المستمدة من الوحي الإلهي “القرآن” الذي مكنهم – فيما مضى – من بلوغ مراتب الريادة في كل مجال، وظنوا أن ما وصلوا إليه إنما أوتوه على علم عندهم مأخوذ من العالم الغربي الذي خاصم ربَّه، وقال ما علمت لكم من إله غير المادة، فأصبح العرب بظلمهم حين هجروا الإسلام وتعاليمه لقمة سائغة للضعيف قبل القوي، وللذليل قبل العزيز، ونالهم من التخلف والانحطاط الشيء الكثير حتى صاروا في الأرض أشبه بالعبيد، وما كان ربك بظلام للعبيد..!
لقد ساد العرب الدنيا يوم حملوا الإسلام فكرة وجسدوها في واقعهم وقدموها للعالم كله على طبق من العلم الصحيح، والخلق الرفيع، وما كانوا ليكونوا شيئا مذكورا لولاها، وصدق الأستاذ سيد قطب-رحمه الله- حين قال في ظلاله 6/3981:”وما العرب بغير الإسلام؟ ما الفكرة التي قدموها للبشرية أو يملكون تقديمها إذا هم تخلوا عن هذه الفكرة؟ وما قيمة أمة لا تقدم للبشرية فكرة؟ إن كل أمة قادت البشرية في فترة من فترات التاريخ كانت تمثل فكرة. والأمم التي لم تكن تمثل فكرة كالتتار الذين اجتاحوا الشرق، والبرابرة الذين اجتاحوا الدولة الرومانية في الغرب لم يستطيعوا الحياة طويلا، إنما ذابوا في الأمم التي فتحوها. والفكرة الوحيدة التي تقدم بها العرب للبشرية كانت هي العقيدة الإسلامية، وهي التي رفعتهم إلى مكان القيادة، فإذا تخلوا عنها لم تعد لهم في الأرض وظيفة، ولم يعد لهم في التاريخ دور..
وهذا ما يجب أن يذكره العرب جيدا إذا هم أرادوا الحياة، وأرادوا القوة، وأرادوا القيادة. .والله الهادي من الضلال”.
إن ذكرى المولد النبوي تذكرنا دائما بضرورة العودة إلى تعاليم محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن –للأسف- قد حولها بعض المسلمين –رغم تحذير العلماء ووعظ الخطباء- إلى يوم للاحتفال ببدعة المفرقعات التي تروع الآمنين، وتحرق معها الملايين من الدينارات، وتُسفر عن الآلاف من المجروحين والمحروقين الذين يتزاحمون صبيحة يوم المولد وبعده في المستشفيات طالبين الإسعاف مما خلفته هذه المفرقعات التي يستوردها بعض بارونات المال بطريقة غير قانونية، ليربحوا الأموال الطائلة ويخلفوا وراءهم الكثير من المصابين!
إن إصلاح العرب وصلاحهم من جديد – خاصة في هذا العصر المادي- لن يتأتى إلا بعودتهم إلى الفكرة الإسلامية الصحيحة التي تستنير بتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم، وبغيرها لن يتقدموا أبدا خطوة واحدة نحو القوة والازدهار والقيادة كما كانوا في العهود الخالية، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها
كمال بن أحمد الجزائري