خطاب الاستشراق: صورة النبي في المخيال الغربي/أ.عبدالقادر قلاتي
كتب الغرب كثيرا حول النبي –صلى الله عليه وسلم– ودعوته، وتفاوتت هذه الكتابات من حيث القيمة العلمية والمعرفية، فهناك كتابات أيديولوجية مغلقة، قدمت صورة قاتمة على شخصية النبي-صلى الله عليه وسلم– وعن الإسلام كدين مواز للأديان السماوية المتموضعة في الغرب، وهناك كتابات أخرى تتسم بالرصانة والاتزان، أمكنها أن تحرك الساكن مما طبع المخيال الغربي حول شخصيته –صلى الله عليه وسلم – ورسالته.
عندما نأتي لدراسة خطاب الاستشراق حول الإسلام ونبيه الكريم، تدفعنا القراءة الأولية نحو مقاربة معرفية تفكيكية لهذا الخطاب؛ الذي كان له الدور الكبير في نحت صورة النبي – صلى الله عليه وسلم– في المخيال الغربي، غير أن المسكوت عنه في دراساتنا النقدية للاستشراق، هو ما تسوقه مصادرنا العربية والإسلامية عن نبينا الكريم، أو –حتى لا نظلم هذه المصادر- ما لم تحسن عرضه هذه المصادر عن سيرة النبي الكريم، إلى جانب استحالة القراءة الصحيحة لمصادرنا من طرف مدراس الاستشراق التي أسندت لها مهمة تفكيك مقولات الإسلام ومصادره لأغراض استعمارية في الغالب الأعم، إلا ما شذ عن هذه القاعدة التي تحكم خطاب الاستشراق في مسيرته الطويلة، لأننا استثنينا كتابات استشراقية لم تكن محكومة بالوظيفة الاستعمارية، بل كانت الروح العلمية هي من حركت أقلام هذه الفئة لأن تقول قولا منصفا في حق نبيا الكريم وإسلامنا العظيم.
لكن ما الذي يعنينا من خطاب الاستشراق عندما نقوم بمهمة الدفاع عن ديننا وعن نبينا، أو عندما نريد أن نعرف رأى الآخر فينا، هل هي الكتابات المنصفة، أم هي الكتابات المضادة التي قامت بنحت صورة مشوهة عن نبينا في المخيال الغربي، والتي بدورها تحدد العلاقة اليوم بين الإسلام والغرب.
إن الذي يعنينا حقيقة من هذه الكتابات -المنصفة وغير المنصفة – هو أن نتعلم كيف نعرض ديننا وتراثنا، فيما نكتب اليوم حول الإسلام، وحول نبينا الكريم، لأن إنصاف الآخرين لا يغير من الصورة التي تشكلت في المخيال الغربي، بكتابات تقف من ورائها دوائر سياسية وأكاديمية كبيرة، ومراكز دراسات مهمتها دراسة الإسلام والمجتمعات الإسلامية، تعمل على مدار الوقت على تثبيت هذه الصورة عند الإنسان الغربي الذي لا يصله من الحقيقة إلا النزر القليل، هذا القليل الذي لا يملك المقدرة على تغيير الصورة أو تحويلها، لذا فالمهمة منوطة بالأمة وبمقدراتها، وبعلمائها وبجامعاتها، وبكل ما تملك من قدرة على خدمة هذا الدين والدعوة لرسالة نبيا الكريم.
لا يمكن أن نقدم صورة صحيحة عن ديننا وعن نبينا، ونحن ننتظر دائما ما يسفر عنه خطاب الاستشراق وأبواقه من بني جلدتنا، لنقوم بالوظيفة التي اعتادها الغرب منا، وهي ردات الفعل الآنية التي لا تسفر إلا عن ظواهر لغوية، سرعان ما تنتهي مع مرور الزمن، وانتهاء الحدث. والله المستعان.