معنى رحمة للعالمين /معمر حبار
من خصائص سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي امتاز بها عن غيره من الأنبياء والرسل، أنه بُعث للناس كافة دون استثناء، وكونه رحمة للعالمين دون تمييز.
ومن تمام شكر النعمة ودوامها، أن لايحتكرها المرء لنفسه، ويدّعيها لخاصته وذويه، ويحرمها غيره، فيكون كمن، ملك حقا ليس له، ومنع خيرا لمستحقيه. ويمكن التطرق إلى مظاهر الاحتكار، والاستحواذ من خلال:
الأشراف الشريف، هو الذي يقوم بعمل شريف ينفعه، وينفع أهله، ومجتمعه، ويَبقىَ ذُخرا لما بعده، وقدوة لغيره، فيُذكرُ بفعله الشريف، ويُحمدُ لأنه أبقى على كل شرف من الأقوال والأعمال.
ومن انتسب إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُحترم لنسبه، ويعامل بالقدر الذي يليق بالنسب، فهو بضعة من رسول الله، لها المقام الرفيع، ويجنّب الإهانة، لأنه إنسان، كغيره من بني آدم، تُحترمُ إنسانيته ولا تهان، والمؤمن مطالب، أن يحترم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحترام النسب، من احترام رسول الله.
لكن لايحق لمن عُرف أمام الناس، بالنسب لرسول الله، أن يستغلّ الناس في دينهم ودنياهم، ويأمرهم بما لايطيقون حمله، ولا سماعه، فيستحوذ على العمامة والتاج.
وكمثال ذلك، يكفي أنّ الشريف، أضرّ ببناته، حينما منعهم الزواج من “غير الشريف !”، فكتب عليهن العنوسة. فهم لها كارهون، رغم توسلهن، وسعيهن لمن يشفع لهن أمام الأب، فخالف بذلك، قول من حمل نسبه، وحكم الناس باسمه، حينما حذّر الأولياء، قائلا: ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير “.
فرحمة للعالمين، تمتد إلى يوم الدين، ومع الناس أجمعين، فلا يقطعها نسب، ولا تمنعها قربى، وإنما كان النسب، ليزيد في الرحمة، ويوسّع منها.
المكان
لاضير في احترام الأماكن، التي وطأها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولد فيها، ونشأ عبرها. فالمحافظة عليها، تساهم في الفهم الجيد للسيرة النبوية العطرة، وتعطي صورة أكثر وضوحا، عن الظروف المعيشية الصعبة التي عاشها وعايشها.
فالصعود لجبل حراء، وكذا غار الثور، والمسافة مشيا على الأقدام، ذهابا وإيابا، بين مكة والطائف، عمل صعب وشاق. وكلما أبقى الإنسان على مثل هذه المواقع وغيرها، ممن شهدت حياة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ساهمت في تقريب الفهم، وتوضيح الصورة.
لكن، لايمكن لأيّ كان، أن يدعي الفضل والشرف، والحق والعلم، لأنه من ساكني مكة أو المدينة. فالفضل لايُحصرُ بين الجُدُر، كما أن العلم، ليس أسير مكان، ومن رحمته صلى الله عليه وسلم، أن الأرض كلها، جعلت له مسجدا وطهورا.
صمت الحجارة .. وأنانية الإنسان
إن الحجر الذي سبّح بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجذع النخل، الذي حنّ وأنّ لغيابه، وحجارة مكة التي كانت، تناديه يارسول الله، قبل البعثة، لم تتحكم في الجماد، باسم هذا الشرف، ولم تحرم غيرها هذا الفضل، ولم تسع لادعائه واحتكاره.
حب سيّدنا رسول الله، غاية يسعى إليها المرء، بما أوتي من فهم يقوده، وقدرة تدفعه، وصفاء يثبّته، وينير له المسالك، وتوفيق يفتح له الآفاق والحجب. ومن الرحمة المهداة، أن ينقل من عرف قدر الحب ولمسه، إلى غيره ممن حُرم إياه، فبيّن له سبل الوصول إليه، ومنحه الوسيلة للولوج إلى حب رسول الله الذي لاينقطع، ولا يزول.
–
جامعة حسيبة بن بوعلي
الشلف – الجزائر
معمر حبار