وعندما يرى سربا من الوزراء الفاشلين في مهامهم قد عينوا في مواقع أرفع معنويا من المواقع التي كانوا عليها “شيوخا للأمة”، وعندما نسمع أطرافا تتكلم عن عهدة رابعة، وعندما يخيم على الساحة السياسية ركود الموتى، فإنه يزداد يأسا وتشاؤما واستبشارا بالخراب.
إن عقيدتنا في الله متينة، وأملنا في الله كبير؛ لأن ذلك مستمد من توجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال “والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه..”، وهذا الأمر هو الإسلام بجميع قيمه الإجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، وهي إشارة لطيفة منه -عليه الصلاة والسلام-، في أن القيم في حركة المجتمع تثمر بشكل تراكمي، يتجاوز الجيل الذي ظهرت فيه، والكيّس الفطن من الناس من يستثمر فيما سيتحقق به أو بغيره، وإن لم يستثمر فإنه سيفوّت على نفسه فرصة أو فرصا من النجاح، ولا يكون له فضل في كثير أو في قليل من الأمر.
ولكن القوم لم نعرف منهم هذا الذي نأمل، وإنما رأيناهم كتلا من الفشل والتناقضات تمشي على الأرض؛ بل يخيل إلينا ونحن نتابع تحولات بلادنا، وتحولات العالم من حولنا، أننا أمام تجارب أقل ما يقال فيها، أنها تكرس الفشل، أكثر من التفاتها إلى نجاحات الشباب الجزائري، الذي يعاني التضييق الذي بلغ حد الخنق، رغم أن هذا الشباب لم يحل ببلد إلا خدمه كما يخدمه أهله وأكثر، ولعلكم تستغربون أن جميع الجزائريين الذين تخرجوا من الجامعات الماليزية، تخرجوا الأوائل في دفعاتهم، وعينوا في الجامعاتها، تجدد لهم عقودهم تلقائيا وأحيانا بإلحاح من الإدارة؛ لأن هذا الجزائري وجد عند القوم الاحترام والتقدير الذي يستحقه.
وإلا ماذا يعني أن يعين وزير فشل في مهمته في موقع آخر لا يقل أهمية عن الذي كان فيه؟ فيتم تعيينه سفيرا أو ممثلا للدولة الجزائرية في المؤسسات الدولية، أو عضوا في مجلس الأمة كما وقع ذلك خلال الأيام القليلة الماضية، حيث “حشر” جميع الوزراء الذين تم ابعادهم عن المناصب التي كانوا يشغلونها، في مجلس الأمة. وماذا يعني أن تتوالد الانقسامات في الأحزاب كما تتوالد الفطريات؟ وماذا يعني أن يجوع الجزائري وبلاده يمكن أن تغني قارة بأكملها؟ وما ذا يعني أن ترى الأرض الزراعية قد غزاها الاسمنت والمناطق الصخرية خاوية على عروشها؟ وماذا يعني أن ينحصر المال العام والاستفادة منه، والمشاريع الاستثمارية الكبرى في أيدي طائفة من الناس؟ وماذا؟ وماذا؟ وماذا؟ إلى آخر “الماذات” التي لا تكاد تتنتهي.
أحيانا تحدثني نفسي بأن هناك تخريبا ممنهجا تقف من ورائه جهات داخلية أو أجنبية؛ لأنني حاولت التماس الأعذار في كل ما أرى من تناقض يرفضه العقل، ولكن التماس العذر قد يكون مرة وفي موضوع ما، وفي حالة عابرة، أما أن يتحول هذا الاعتذار الذي أمني به نفسي دائما إلى أصل ليتحول المنطق والمعقول إلى استثناء…، وآخر ما علمته في الأيام القليلة الماضية في ولاية سعيدة، أن مدينة سعيدة -مقر الولاية-، مدينة ملآى بينابيع المياه الصالحة للشرب والجيدة، ولكن القوم وفق المنهجية “المعوجة” فضلوا جلب الماء إلى مدينة سعيدة مقر الولاية من منطقة تمسى “السخونة” تبعد عن مقر الولاية مسافة 90 لكم، وهو ماء أقل جودة من ماء الينابيع، بحيث يفضل الناس استعماله في أمور أخرى غير الشرب، ويجلبون ماء الشرب من الينابيع الموجودة في المدينة وضواحيها.