هبوب رياح وعواصف على أعالي الشجر

بينما الجزائريون الأبرياء، عيونهم مشدودة إلى السماء، مشفوعة برفع أكف الضراعة والدعاء، بأن يمن الله على الزرع والضرع في بلادنا، بعواصف رعدية، مثقلة بسحب دكناء، وزخات أمطار غزيرة شمّاء، وكثبان ثلوج ناصعة بيضاء..

وبينما وقف الناس جميعا يتطلعون إلى رب السماء، بصلوات الاستسقاء وأصوات الحملان بالثغاء، وطيور السدود بالرجاء، أن يقينا الله شر القحط والبلاء، فإذا برياح عواصف خاصة هوجاء، تهب على الأحزاب العتيدة،  فتزعزع مناضليها، وتسقط أعالي الشجر فيها، وتقلب أيامها ولياليها، وهكذا تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.

إن ما يجري في بلادنا، هذه الأيام، من حراك سياسي، شمل كل الأحزاب، لهو نتيجة منطقية، لمقدمات غير سليمة، وغير عقلية. فهذه القيادات الحزبية، التي أوتيت مقاليد الأمور، في غفلة من المناضلين الواعين، إما لعوامل تاريخية، أو لظروف سياسية، أو بتواطؤ من جهات خفية، إن هذه القيادات التي طال عليها الأمد، قد أينعت، وآن قطافها.

لقد انكشفت عورات الأحزاب عندنا، بعزوف الناس عن السياسة، ومقاطعة المواطنين للاستحقاقات، على مختلف مستوياتها، وغياب الشعارات البراقة التي كانت ترفع مثل النزاهة، والكفاءة، والالتزام، وحل محل ذلك، عبد الدينار، والدولار، والمليار، من مختلف المفسدين والفجار.

مر الربيع وقلنا إننا بمنأى عن الربيع العربي، وجاء الصيف، فقلنا بأن حرارة شمسه ستقضي على الجراثيم والأوبئة المتراكمة، وحلّ الخريف فرضينا منه بسقوط بعض أوراق الشجر، ولكن ماذا عسانا نفعل اليوم أمام الشتاء ورياح عواصفه، التي لم تستهدف الشجر فقط، ولكنها استهدفت العالي من الشجر:

إن الرياح إذا اشتدت عواصفها   فلن تصيب سوى العالي من الشجر

إنها دروس –إذن- تقدمها لنا التنظيمات الحزبية، مكرهة، وأهمها، أنها تعاني هشاشة في البنية الهيكلية، واضطرابا في التركيبة البشرية، وفسادا في وضع الخطة المنهجية، وتحنطا في التشبث بالمناصب القيادية.

فهل نسى الجميع أن النضال الحزبي معاناة وليس موالاة، وأن المسؤولية تكليف وليست تشريفا، وأن ما يرفع من شعار التداول على السلطة، قد أضحى “جملة غير مفيدة”، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟

كنا نظن، وبعض الظن إثم، أن الطبقة السياسية في جزائرنا، ستكون الأوعى في إدراك ما يحيط ببلادنا من مخاطر، مشرقا ومغربا، وشمالا وجنوبا، فيتخذوا العدة، ولا يحتكروا المسؤولية أطول مدة. ولكن ما راعنا إلا استفحال الداء، ومعالجة الأوضاع بسذاجة وغباء، فعم البلاء وخاب الرجاء.

هل آن أوان اليأس من واقعنا السياسي؟ وهل نفقد الأمل، ونتخلى عن العمل؟ معاذ الله! فالجزائر بلد العلماء، والمجاهدين والشهداء، لم تزل رحما ولودا، وأن المشكلة ليست في الإنسان الجزائري، وإنما هي في كيفية اختيار نوعية الإنسان في تحمل المسؤولية.

إن أزمة اختيار المواطن لتحمل المسؤولية عندنا، لا تبدأ بكفاءته، والتزامه الخلقي والوطني، وقدرته على أداء المهمة، وإنما تبدأ بالولاء، والعصبية، والإقليمية، والمحسوبية، والتبعية للأشخاص لا للمبادئ، وبذلك تعفنت الأحزاب، بشهادة مناضليها، وتكلست الأسباب، بفساد مسيريها.

إننا نعتقد أن تشخيص التأزم السياسي عندنا، قد أضحى واضحا لكل ذي عينين، وأن معالجة هذا التأزم، لا يتطلب عصمة الأنبياء، ولا عبقرية العلماء، وإنما يكفي فيه أن تتوفر روح المواطنة العميقة، ومعالم الوطنية والحقيقة، والتعامل مع المصلحة الوطنية بالمنهجية الدقيقة، إننا لو فعلنا، ذلك، لحصنّا الوطن والمواطن ضد هذه العواصف التي تعصف بأمنه، وإيمانه، وأمانه، من الاعتداء على الأطفال الأبرياء، والحرائر والمواطنين الشرفاء، وكل أنواع القتل، والخطف والاغتصاب، والمتاجرة بالمخدرات والدماء.

هذا –إذن- هو وضعنا المتردي، فنشكو أمرنا إلى رب الأرض والسماء.

أ/د عبد الرزاق قسوم

Exit mobile version