مصرف السلام الجزائر .. خدمات بنكية أصيلة
فضاء الفتوى

حكم تربية الكلاب في البيوت، بين المصلحة والمفسدة.

فتوى يعدها الشيخ محمد مكركب أبران

قال السائل: يوجد بقربنا جار يربي كلبا كثير النباح، ويسبب إزعاجا للجيران، ولما طلبنا منه التصرف في شأن كلبه، وأخبرناه أنه لايجوز له تربية الكلب في البيت من غير مصلحة، قال هو حر في ذلك والقانون لا يمنعه من حقه في تربية الكلب وغيره؟ فماذا نفعل معه؟ وهل الكلب نجس أم لا؟ وهل صحيح لمن يربيه الأجر؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.

أولا: لابد من التمييز بين الإحسان إلى الكائنات الحية عموما، والعطف على الحيوان بالذات، وبين حدود وأحكام كل كائن في بيئته وظروفه وما خُلِقَ له. فما خُلِقَ العصفورُ ليعيش داخل القفص مسجونا، ولا خُلِقَ الكلبُ لينام في غرفة النوم، فلا يُحْتَجُّ بِخُلُقِ الإحسان والرحمة بالحيوان لتربية الكلاب في البيوت والقطط والفئران مع بني الإنسان. نعم الشريعة الإسلامية رحمة وخير وعدل وبِرٌّ وإحْسَانٌ لبني الإنسان وبني الحيوان بل والنبات وكل الكائنات. وما دام السؤال متعلق بالكلاب. فإليكم هذا النموذج الأخلاقي لرحمة الإنسان بالحيوان. عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [بينا رجل  يمشي، فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا، فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له ] قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: [في كل كبد رطبة أجر] (البخاري:2363) ولكن ليظل الكلب حرا في بيئته والإنسان في بيته. ونهى الرسول عن تعذيب الحيوانات. وقصة المرأة والهرة مشهورة في تاريخ الأخلاق. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:[عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها ولا سقتها، إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض] (البخاري:3482) والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

ثانيا: هل يجوز تربية الكلاب في البيوت؟ كما جاء في سؤال السائل عن خبر صاحب الكلب الذي قال (حسب السؤال) هو حر في ذلك والقانون لايمنعه. فقد ورد في الحديث الشريف. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا، فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ، إِلَّا كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ مَاشِيَةٍ]، قَالَ ابنُ سيرين، وأبو صالحٍ، عن أَبِي هرَيْرَةَ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِلَّا كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ] (البخاري:2322) وهكذا يعلم السائل والقارئ بأن تربية الكلب لغير حراسة ماشية أو صيد، فإنه لايجوز، ولا يزيد الأجر بل ينقص الأجر. [فَإِنَّهُ يَنْقُصُ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطٌ] فاقتناء الكلاب لغير حراسة ماشية أوصيد، لايجوز وهو مفسدة وليس مصلحة. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

ثالثا: قال السائل: (وهل الكلب نجس أم لا؟)  هذه مسألة اجتهادية، تنوع بشأنها اجتهاد العلماء، وتعددت فتاواهم، بقدر فهم دلالات الحديث الآتي:عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ، أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ] (مسلم:279) وفي رواية أخرى. قَالَ:[مَا بَالُهُمْ وَبَالُ الْكِلَابِ؟] ثُمَّ رَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَكَلْبِ الْغَنَمِ، وَقَالَ: [إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ] (مسلم:280)

 وللأحاديث السابقة نرى العمل بمطلق الأمر في النصوص، وذلك يقتضي الوجوب، وعليه:

1 ـ لاتُرَبَّى الكلابُ إلا للأسباب المذكورة في الحديث. [إِلَّا كَلْبَ غَنَمٍ أَوْ حَرْثٍ أَوْ صَيْدٍ] ومعناه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة ولاينبغي للمسلم أن يقلد غير المسلمين الذين يقتنون الكلاب والقطط والفئران وغيرها إعجابا بصورة الحيوان أو للترفه والعجب. هذا والترخيص لاقتناء الكلب للصيد لمن مهنته الصيد، وحراسة الماشية للراعي الذي يرعى الغنم، ولحراسة ما يخشى عليه في هذه الحال وجب تعليم الكلب وتدريبه ماذا يأكل وكيف ومتى يأكل وكيف يصطاد، والعناية بصحته، وملازمة فحوصه.  قال الله تعالى:﴿يَسْئَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ﴾ (المائدة:4) قال القرطبي:{فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح كاسب} (6/66) وفي تفسير الجلالين: {﴿تُعَلِّمُونَهُنَّ﴾ حَال مِنْ ضَمِير مُكَلِّبِينَ أَيْ تُؤَدِّبُونَهُنَّ ﴿مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّه﴾ مِنْ آدَاب الصَّيْد.} (ص:136)

2 ـ لايجوز بيع الكلاب ولاتربيتها لغير مصلحة ظاهرة.

3 ـ ويقتل الكلب العقور، الذي يصاب بداء الكلب، كما يقتل كل حيوان مُؤْذٍ.

4 ـ إذا ولغ الكلب في إناء وجب غسله كما هو مبين في الحديث.

5 ـ يَنْجُسُ ما ولغ فيه الكلب إذا كان الكلب هائما يأكل الْعَذِرَة، أي الغائط، النجاسات والجيف، ويبقى كما قلت امتثال أمر النبي عليه الصلاة والسلام في غسل الإناء، مهما كان الكلب. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى