وأنت المؤمنة الكيسة../ العلامة الشيخ أحمد سحنون رحمه الله
طيبي نفسا وقري عينا وأنعمي بالا فأنت أشرف النساء وأنت للمرأة المثل الأعلى جعل الله الإسلام دينك ومحمد صلى الله عليه وسلم- نبيك ونساءه قدوتك، وميزك بين السَّوافر بالحجاب السَّاتر، وجعل البيت مملكتك و الأبناء جندك والزوج شرفك وجعلك سكينة البيت ومتعة النفس وزينة الحياة ومربية الأجيال وصانعة الأبطال، فلا تحقري نفسك ولا تجهلي قدرك ولا تقلدي غيرك فأنت أعظم من غيرك…
الحمد لله الذي شرفنا بالإسلام وأكرمنا بالقرآن وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر و الفسوق و العصيان، والصلاة و السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وحجة على الجاحدين وقدوة للمتقين وخاتمة لعباده المرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد…
فنحن قوم اختار الله لنا الإسلام دينا فلم يبق لنا خيار فيما اختاره الله لنا ولقد قال:”ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين”، وقال:”اليوم أكملت لكم دينكم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”. فعززنا بالإسلام بعد ذلة، قال تعالى:”مصداقا لذلك: “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين”.
وقال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-:”نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمن طلب العزة بغير الإسلام أذله الله”.
ودعوة عمر هذه حققها الله فيمن طلب العزة بغير الإسلام في هذا العصر الذي أتخذ شرار هذه الأمة شر الخلق قدوة وهم الذين كفروا بربهم فأضلهم الله على علم، قال تعالى:” إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون”.
ووصفهم الله في نفس السورة وهي سورة الأنفال بالصم البكم الذين لا عقل لهم فقال:”إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون”، وإنما كان الذين كفروا شر الدواب لأنهم وحدهم بدون غيرهم من كل المخلوقات التي تدب على الأرض كفروا بربهم لأن كل المخلوقات- تسبح بحمد ربها غير أننا لا نفهم لغتها، قال تعالى:”وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم”.
وإن دين الله شرف عظيم لا يهبه الله إلا من هو أهل له، أما الدنيا فيعطيها الله لمن هم دون ذلك، قال نبينا صلى الله عليه وسلم-:”إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب”، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه.
فيا ابنة الجزائر المسلمة:
طيبي نفسا وقري عينا وأنعمي بالا فأنت أشرف النساء وأنت للمرأة المثل الأعلى جعل الله الإسلام دينك ومحمد صلى الله عليه وسلم- نبيك ونساءه قدوتك، وميزك بين السَّوافر بالحجاب السَّاتر، وجعل البيت مملكتك و الأبناء جندك والزوج شرفك وجعلك سكينة البيت ومتعة النفس وزينة الحياة ومربية الأجيال وصانعة الأبطال، فلا تحقري نفسك ولا تجهلي قدرك ولا تقلدي غيرك فأنت أعظم من غيرك، لك الماضي المشرق الصفحات بالأمجاد والكمالات وهو الذي يفرض عليك أن تسيري على ضوئه وتتخذيه قدوتك وتباهي به نساء العالم أجمع. وإني أعيذك أن تقعي في الفخ المنصوب لك وأنت المؤمنة الكيسة لا تتركي الجاهلية الرعناء تعود إلى مجتمعك الطاهر بعد أن أكرمه الله بالإسلام وأحله به أرفع مقام.
إن أعظم مزاياك أنك منذ ما يزيد على أربعة عشر قرنا، فهل تسمح لك نفسك بأن
نصيري بين عشية وضحاها منسلخة من دينك القويم فإنك بمواكبة النظم المخالفة لدينك توافقين على محاربة دينك وهي الخيانة العظمى.
إن المرأة المسلمة طراز خاص في النساء فمن قاسها بغيرها فقد جهل قدرها وبخسها حقها وإن أفضليتها نابعة من أفضلية أمتها الثابتة بحكم ربها في قوله:”كنتم خير أمة أخرجت للناس” والمستحقة لها بوسطيتها التي استحقت بها أن تكون شهيدة على غيرها في قوله تعالى:”وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس”، ومن ثم كان نبينا-صلى الله عليه وسلم-ينهانا دائما عن التشبه بغيرنا فيقول:”من تشبه بقوم فهو منهم”، ويقول:”خالفوا المشركين”، ويقول:”ولا تستضيئوا أبتار المشركين”ويقول:”من كثر سواد قوم فهو منهم”، ويقول الله تعالى: “ومن يتولهم منكم فإنه منهم”، ويقول: “ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى”.
وهذا كالبراءة من هؤلاء الذين يرفضون الكمال في أنفسهم ويطلبون النقص في غيرهم:
إذا ما أهان امرؤ نفسه***فلا أكرم الله من يكرمه
وأي عاقل يفضل غيره على نفسه، وهو أفضل منه؟ فاجعلن أيتها المسلمات الجزائريات من هذا التجمع الرائع إعلانا لرفضكن لمطالب تتنافى مع دينكن وأخلاقكن وماضيكن الحافل بالأمجاد وابرأن إلى الله منها ومن المطالبات بها من أولئك اللائي لم يفهن ما ينطوي عليه دينهن من تشريعات قيمة صالحة لكل بني الإنسان في كل زمان ومكان فحاربنه من حيث لا يشعرن وإلا فكيف يكون قانون الله غير عادل وهو سبحانه لم يبعث الرسل ولا أنزل الكتب ولا شرع الشرائع إلا لإقامة العدل بين الناس، قال تعالى:”لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط”؛ أي بالعدل، وأي دين وأي قانون وأي نظام أنصف المرأة كما أنصفها الإسلام دين العدل و الإنصاف؟، بل لقد أعطاها ما لم يعط الرجل فقد جعلها مطلوبة لا طالبة ومخطوبة ولا خاطبة ومخدومة لا خادمة وحمها من العيون الفاسقة بالحجاب الذي يحفظ كرامتها وسمعتها ودينها وسوى بينها وبين الرجل في الحقوق و الواجبات وفي العمل و الجزاء، فقال تعالى:”ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”، وقال: “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”.
إن الإسلام قد أحاط الأسرة بسياج غاية في الدقة والإحكام وحماه بمشاعر الحب والمودة والسكينة والرحمة والوئام، وكتب عليه هذه اللافتة المنبهة للعقول والأفهام فقال: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”. إنه لم يهتم في تعاليمه المحكمة بشيء كما اهتم بالأسرة بحيث لم يترك شأنا من شؤونها كبيرا كان أم صغيرا إلا تولاه بالتشريع المحكم، والبيان الكافي لأن الأسرة هي الحجر الأساسي والعمود الفقري للمجتمع، فصلاحه بصلاحها ونجاحه بنجاحها، ومن ثمَّ فلمَّا أراد العدو بالمجتمع الإسلامي سوءا بدأ بالأسرة وإلا فما هذه الضوضاء حول المرأة أو قانون الأسرة؟ إنه ليس في الإسلام شيء يسمى قضية المرأة أو قانون أسرة، فالمرأة في الإسلام لبنة في بناء الأسرة، والأسرة لبنة في بناء المجتمع، والمجتمع هو البناء المتكامل الذي يحرص الإسلام على رعايته وسلامته وسعادته ومن ثمَّ فالإسلام نظام شامل عظيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
فيا أيتها المرأة المسلمة: تمسكي بدينك واثبتي عليه ولا تسمعي لصوت غير صوته ولا تمتثلي لحكم غير حكمه والله يتولاك برعايته ويرفع بك رأس الإسلام عاليا ويجعلك قدوة لنساء العالم أجمع، والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والحمد لله رب العالمين.
كلمة العلامة الشيخ أحمد سحنون رحمه الله بمناسبة التجمع النسوي لرابطة الدعوة الإسلامية/ الخميس 16 جمادى الأولي 1410هـ. 21 ديسمبر 1989م