من هنا نبدأ /الشيخ أحمد سحنون رحمه الله
بينما كنت أجوب شوارع العاصمة، في أمسية حالمة- وأنا أفكر فيما يجب أن نتناوله من (عملية التطهير) التي دعوت إليها في (نفس هذا المكان) من الأسبوع الماضي- إذ مررت بمقهى مزدحم بالنالس وهم مكبون على موائد النرد والووق في نهم شديد، وصخب بالغ، وضوضاء تصم الآذان، فتأملتهم وتفرست وجوههم، فإذا هم شبان، من أبناء البلاد، وأحفاد العروبة والاسلام، وإذا بي أقف فجأة كأن قدمي سمرتا أو قيدتا أو اعترض وجهتي سد منيع، وقلت: من هنا نبدأ، فقد عثرت على ضالتي، وإن غصصت بريقي، وشرقت بدمعي
، وليسمح لي القراء، بإرجاء ما وعدتهم به إلى فرصة أخرى.
فهؤلاء الشبان- الذين يذوون زهرة شبابهم، ويبلون غض إهابهم، في عبث لا طائل تحته هم عماد الأمة، ورأس مالها، وزهرة أملها، وثمرة مستقبلها، وإذا تركوا هكذا، قضوا على أملها، وجنوا على مستقبلها، وعجلوا بشر مآلها، وحضور أجلها- لا قدر الله- هؤلاء الشبان يجب أن ننقدههم من هذه البيئة الفاسده التي تقضي على البقية الباقية من تراث العروبة والإسلام، ونستبدلهم بها بيئة صالحة طاهرة ينمو في ثراها عنصر الدين والخلق والعزة والشرف، يجب أن ننقلهم من بيت الشيطان إلى بيت الله، يجب أن نخرجهم من المقهى وندخلهم إلى المسجد، يجب أن نطهرهم سريعا، وإلا قضت عليهم الجراثيم المبيدة سريعا.
ولكن كيف السبيل إلى هذا؟ ومن أين الوصول إلى هؤلاء؟ إن الدرس والخطبة في المسجد والمدرسة، لا في الشارع والمقهى، وهؤلاء منقطعون الصلة بالمسجد والمدرسة وصوت الواعظ أو الخطيب لا يبلغ هذه السراديب، وإن النور والهواء لفي القمم الشماء لا في أعماق الأرض وباطن الثرى، وبينما أنا أفكر في حل لهذه العقدة، قدحت في خاطري فكرة، إذ ذكرت قوله- عليه الصلاة والسلام-: “ليبلغ الشاهد منكم الغائب” ولكن أين الشاهد من الشبان الذي يبلغ الغائب منهم في أوكار الشيطان، فإنه لا يؤثر في الشاب إلا شاب من طبقته، ولم أيأس، وواصلت التفكير والبحث عن الرائد الصالح، للشباب الطالح حتى انتهى بي المطاف إلى بيت الله، ولما فرغت من الصلاة التفت حولي، أرتاد الرائد وأبحث عن الشاهد الذي يبله الغائب، إذا بالحال غير الحال والناس غير الناس، وإذا بصفوف المصلين تتألف أكثريتها من (الشبان المسلمين) فقلت الآن، آن الأوان لبعث المسلمين وعودة الأمة الإسلامية من جديد، فإن الله أناط حياة كل أمة بحياة شبابها، وإذا بي أنشد من غير شعور، قول أبي العتاهية:
“روائح الجنة في الشباب”
وقلت: الآن وجدت الشاهد، الذي يبلغ الغائب، فليقم هؤلاء الشبان بإنقاذ من بقي لهم من الإخوان، وإبلاغهم ساحل الأمان، ولكن لأمر ما خطر ببالي قول القائل:
ولا ينفع الجرباء قرب صحيحة … إليها، ولكم الصحيحة تجرب
وخفت على هذا الفريق أن يغرق في سبيل إنقاد الغريق، خوف التاجرا الحريص على رأس ماله المحقق، أن يذهب في سبيل طلب ربح غير محقق ولكن لا، فالخوف آفة النجاح والعقبة في سبيل كل تقدم، كم شل من حركة وقاد إلى تهلكة وأن زين لأصحابه أنه ينجيهم من التهلكة، والجبان مقتول بالخوف، قبل أن يقتل بالسيف.
فيا أيها الشبان! أذكروا نعمة الله عليكم إذ هداكم للإيمان، واشكروه بإنقاذ من بقي لكم من الإخوان، حليف الشيطان، فأنتم في الأمة، تناط بكم كل مهمة، واذكروا قوله صلى الله عليه وسلم: “لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم”، احملوهم- قبل كل شيء- على الحضور إلى المسجد، فإنه (المطهر) وإن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، وإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقي من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقي من
درنه شيء، قال: فكذلك الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا”، فإن لم تستطيعوا أن تحملوهم إلى المسجد، فاحملوا إليهم صوت المسجد.
دراسات وتوجيهات إسلامية/الشيخ أحمد سحنون رحمه الله