القضية الفلسطينية:المخطط الجديد /الأستاذ: محمد الحسن أكيلال
الوطن العربي عامة، الجزء الشرقي منه خاصة، يعيش حالة تكاد تشبه تلك التي عاشها في بداية القرن الماضي، للقائل أن التاريخ يعيد نفسه أن يراجع القول مبنا ومعنى، على الأقل فيما يتعلق بقضايا الوطن العربي، لأن التاريخ فيه لا تخضع حوادثه للصدف، بل تخضع لعملية تخطيط وتقنين دقيقة بدأت من يوم سقوط غرناطة، إلى سقوط الخلافة العثمانية وإعلان “مصطفى كمال أتاتورك” نهايتها لتحل محلها في بلاد الأناضول جمهورية علمانية قومية مقطوعة الأواصر بكل البلدان العربية التي كانت تشكل معها خارطة الخلافة.
لقد كان من البديهي – وهذه هي سنة الحياة – أن يمتلئ الفراغ المؤسساتي الذي تركته الخلافة العثمانية بالإدارتين الاستعماريتين الفرنسية والبريطانية، ومن الطبيعي جدا أن تخضع القوتان الامبرياليتان كل الشعوب العربية التي وجدت نفسها على هامش التاريخ والحضارة منذ سقوط بغداد لأسباب وعوامل تتلخص في توقف نشاط وأدمغة العرب المسلمين في حدودها من النقل، والابتعاد ما أمكن عما يأتي من العقل، في حين انطلق الغرب في ثورة عارمة منحت للإبداع والابتكار والاكتشاف كل المستلزمات التي مكنته من تخطي الكثير من المراحل في ظرف وجيز ليصبح سيد الكرة الأرضية بالثورة الصناعية الهائلة التي منحت له كل وسائل القوة التكنولوجية والعلمية والعسكرية والاقتصادية التي استطاع بها إخضاع العالم انطلاقا من الوطن العربي الذي يكتنز الثروات والموارد الطبيعية والطاقوية، زيادة على موقعه الجيو سياسي على البحر المتوسط والبحر الأحمر، إلى جانب مضيقي جبل طارق وباب المندب وقناة السويس، باختصار ملتقى الطرق التجارية والمياد الدافئة، المعطيات التي على أساسها وضعت الخارطة الأولى للشرق الأوسط ووقعت بموجبها اتفاقية ” سايكس بيكو”
متطلبات المرحلة
لقد استنفذت “سايس بيكو” كل مقتضياتها ومبرراتها ومستلزماتها سواء السياسية منها أو الاقتصادية أو الأمنية، والمبرر الوحيد الذي بقي قائما هو وجود دولة إسرائيل الذي أصبح يشكل خطرا على السلم والأمن في العالم باعتراف كل معظم دول الغرب وشعوبها، والحال هذا أصبح من الضروري التفكير في إيجاد صيغة جديدة ولو مرحلية لإبقاء النفوذ الغربي في المنطقة بدعوى الحفاظ على أمن إسرائيل الذي هو من أمن الامبريالية الأمريكية وحلفائها باعتبارها الوريث المتفق عليه للإمبراطوريتين الاستعماريتين الغربيتين .
عامل آخر أصبح يفرض نفسه هو: الاتحاد الروسي الذي خلف الاتحاد السوفياتي مكرها، وهو لم يعد يقبل البقاء في المكانة الثانية إلى جانب فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بل تمارس ضغوط مختلفة عليه ليقبل بالمكانة الرابعة وراء الصين الشعبية القادمة مستقبلا للتواجد الكامل في المنطقة العربية بشروطها هي.
في كل هذا تشتعل الثورة في بعض الأقطار العربية ضد الأنظمة، كانت البداية ثورات نظيفة لكنها سرعان ما امتدت إليها الأذرع الطويلة لاحتوائها والدفع بها إلى حيث خطط لها سلفا لتكون الوسيلة المثلى لوضع الأسباب والمعطيات الجديدة للمخطط الجديد الذي يرسم للمنطقة.
لقد صرح الفيلسوف الفرنسي الإسرائيلي الصهيوني “بيرنار هينري ليفي” بأنه وراء الثورة الشعبية العربية، لقد قال ذلك ومر تصريحه وكأن شيئا لم يكن، وتطورت الأحداث في كل من ليبيا لتصبح تدخلا عسكريا فرنسيا وحلف أطلسيا لإسقاط النظام والعقيد، وسقط الاثنان ولكن أين هي ليبيا، وإلى أين تتجه؟
اندلعت في مصر، سقط النظام وسجن مبارك، لكن أين هي مصر الثورة، وإلى أين تتجه؟
اندلعت في سوريا، وها هي سوريا تدمر بالأسلحة التي اشتراها النظام بأموال الشعب السوري، متى ينتهي فيها هذا التدمير؟
قد تبدأ الثورات في أقطار عربية أخرى إن عاجلا أم آجلان، لأن المستفيد الوحيد من كل هذا الدمار هو دولة إسرائيل التي أصبحت تعلن أنها على استعداد تام للقيام بحرب، ضد من؟ المهم أن خيار السلم الاستراتيجي لا يعنيها ما دامت أقوى قوة عسكرية في المنطقة، وهي إذن تريد أن تكون اللاعب الأهم والواضع الأساسي لأي مخطط في المنطقة، مادامت أمريكا لا تستطيع حاليا لظروفها الاقتصادية أن تلجمها وتفرض عليها احترام الكبار الحقيقيين.
الواضح أن مطابخ أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا بدأ الإعداد للطبخة المشتركة التي تفرض على الشعوب العربية، والطبخة تتمثل في إعادة رسم الخارطة الجغرافية لكل الوطن العربي على أساس الطوائف والأقليات، والعملية لا تستثني أي قطر مهما كانت أوضاعه السياسية والاقتصادية، علب الكبريت موجودة في كل الشوارع، والاستعداد لبيع الأوطان التي أصبح يروج لها في أوساط الشباب العربي الذي بدأت تزداد أعداد المقتنعين بهذه الفكرة، فهل من مصلح لهذا القرن يأخذ بأيدي هؤلاء إلى بر الأمان؟.