إذا تمّ العقل نقص الكلام وكَثُر العمل..!/أ.كمال أبوسنة
كثيرا ما تُبتلى الدعوات والإيديولوجيات، في كل زمان ومكان، بمن يُجادل في كل شيء، صغيرا كان أم كبيرا، ويتّبع هواه ليضل عن سبيل الحق، فتجده صاحب عمل قليل، ولسان طويل، يمضغ الأقوال، لا بطل أفعال، يصرع الفكرة قبل الولادة، وإن وُلدت يئدها بعد الولادة…جلف متفيهق، عنيف في الباطل، هين في الحق، وقديما قال أجدادنا الحكماء العالمون الأذكياء:” إذا تمّ العقل نقص الكلام” وبالطبع يكثر العمل، ويُغوَّر الخلل..
ومن طلب العُلا من غير كدٍّ
سيدركها إذا شاب الغراب
لقد بيّنت ميادين الجُهد والتعب، ومواقع العمل والنصب، في مساحات المدافعة والمنافحة، أن الناس رجل وذكر، الأول يُضاف إلى الرب الرحيم، والثاني يُنسب إلى الشيطان الرجيم.
فرجل الرب الرحيم يبني ويشيد، بغير حساب، وذكر إبليس الرجيم يهدم ويبدد، ليزيد العذاب…رجل الرب الرحيم دائما للخير يسعى، وذكر إبليس الرجيم يلبس الشر كالأفعى..رجل الرب الرحيم إن هدمت العواصف والقواصف خيمةً بنى مكانها قصرا، وذكر إبليس الرجيم يُخرّب قصرا، ليحفر في موضعه للآمنين قبرا…رجل الرب الرحيم يَعفّ عند الـمغنم، ويُقبل غير هياب في ساعة الـمغرم، وذكر إبليس الرجيم يُدْبِر في لـمح البصر حين الـمغرم، ويُزاحم بذلة وهوان على الفتات في الـمغنم..رجل الرب الرحيم كالجبل الثابت يوم البلاء، صابر في المحن والإحن، وذكر إبليس الرجيم كالفتخاء تنفر من صفير الصافر…رجل الرب الرحيم لا يقطع يدا امتدت إليه بالإخاء والوفاء، وذكر إبليس الرجيم يُناجي الأعداء، ويُداهن الأكفاء، ويقابل الإحسان بالإساءة، والخير بالشر، كأم عامر، وما أدراك ما أم عامر؟ سأتلو عليكم من خبرها ذكرا.!
لقد زعموا أن قوما خرجوا إلى الصيد فعرضت لهم أم عامر – أي الضبع- فطاردوها حتى ألجأوها إلى خباء أعرابي فدخلته، فخرج إليهم الأعرابي وقال: ما شأنكم؟ قالوا: صيدنا وطريدتنا! فقال:كلا، والذي نفسي بيده، لا تصلون إليها ما ثبت قائمُ سيفي بيدي.
فرجعوا وتركوه، وقام الأعرابي فقدم للضبع حليبا، ثم سقاها ماءً حتى عاشت واستراحت، فبينما هو نائم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه، وشربت دمه، وفرت، فجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بقيرٌ في خيمته، فالتفت إلى موضع الضبع فلم يره، فاتَّبعها ولم يزل حتى أدركها فقتلها وأنشأ يقول:
ومن يصنع المعروف مع غير أهله
يلاقي الذي لاقى مجير أم عامر