مولود قاسم، ونقد التاريخ / الأستاذ محمد الصغير بن لعلام
نظمت مؤسسة مولود قاسم نايث بلقاسم بالتنسيق مع المجلس الإسلامي الأعلى، في الذكرى العشرين لوفاة الراحل الأستاذ مولود قاسم نايث بلقاسم، فألقى الأستاذ محمد الصغير بن لعلام هذه المحاضرة، ننشرها شاكرين له فضله.
بسم الله الرحمن الرحيم
بادئ ذي بدء أرحب بالإخوة الكرام، الذين لبوا دعوتنا وتفضلوا بالحضور للمشاركة في هذه الندوة التي تنظمها مؤسسة مولود قاسم نايث بلقاسم،
بالتعاون مع المجلس الإسلامي الأعلى إحياء للذكرى العشرين لوفاة فقيد الجزائر خاصة، والأمتين العربية والإسلامية، بل والفكر الإنساني بصفة عامة، العالم المفكر مولود قاسم نايث بلقاسم، ثم أثني بالشكر الجزيل، والامتنان الكبير للمجلس الإسلامي الأعلى، ولرئيسه الدكتور الشيخ بوعمران، الذي آوى مؤسستنا في مقره، منذ نشأتها وإلى اليوم، ووفر لنا كل ما نحتاج إليه في ممارسة نشاطنا، وإن كان ذلك النشاط قليلا لأننا عمليا وقانونيا ليس لنا وجود إلى يوم الناس هذا.
أيها الإخوة؛ التأم إذا شملنا اليوم لإحياء الذكرى العشرين لوفاة مولود قاسم، ذلكم الجزائري الحق، النقي الصميم، الوطني، العروبي الأمازيغي،
الإسلامي، الذي سخر حياته للنضال وللجهاد في سبيل هذا الوطن، ومقومات هذا الوطن، ومكونات هذا الوطن بالجسد، وبالصوت، وبالقلم، في مختلف الميادين، وبمختلف الوسائل وتنوع اللغات والبلدان، منذ أن كان طالبا في الزاوية قبل تونس، إلى أن وافته المنية على غرة، وهو ما يزال في عنفوان عطائه، في 27 أوت 1992 رحمه الله وغفر له، وأسكنه فسيحجنانه، جزاء لما قدم لله ولرسوله وللإسلام، ونحن إذ نتذكر اليوم، هذا الراحل العزيز،
نتذكر معه أخا له، زميلا له في الدراسة، ورفيقا له في درب الكفاح والجهاد والنضال، لعقود عديدة، جمعهما حب الوطن والإخلاص له، وإنقاذ الشعب من المذلة والهوان، وإرجاع السيادة والعزة والكرامة له، إنه المرحوم عبد الحميد مهري، الذي تشرفت مؤسستنا، بأن يكون أول رئيس لها، مهري الحكيم، الرزين العاقل، المخلص، الوفي لمبادئه ودينه ووطنه، المترفع عن السخافات، والتفاهات، والحزازات، الذي يقدّر الأمور حق قدرها، يعرف متى يجب أن يتكلم، ومتى يجب أن يسكت، ومتى يجب أن يحضر، ومتى يجب أن يغيب، والذي اختطفته يد المنون في وقت كان الوطن في أشد الحاجة إليه، وإلى أمثاله، وهم قليلون فرحمه
الله رحمة واسعة.
أيها السادة لقد سبق لي أن تكلمت وحاضرت في عدة ملتقيات حول كثير من الجوانب الفكرية والعملية لمولود قاسم، تكلمت عن التعليم الأصلي، والجامعة الإسلامية، وهي الحلم الجميل لمولود قاسم، وعن الشؤون الدينية بكل جوانبها، وعن ملتقيات الفكر الإسلامي، التي اختصت بها الجزائر دون غيرها من الدول الإسلامية، والتي كانت ثورة في تجديد الفكر الإسلامي وتكييفه، وعصرنته، في إطار المبادئ العامة لهذا الدين الحنيف، وكذلك تناولت كثيرا من آراء ومواقف مولود قاسم في مختلف المجالات، وخاصة فيما يتعلق بالإنية والأصالة واللغة، وباقي مقومات الأمة.
واليوم سأتكلم بإيجاز طبعا، عن مولود قاسم المؤرخ، وناقد التاريخ، مولود قاسم، كما نعلم لم يكن مؤرخا بالمعنى العام، أي أنه لم يدرس التاريخ في الجامعة، ولكن حُبّه وعشقه للوطن، جعله يخصص جزءا كبيرا من وقته ونشاطه وكتاباته لتاريخ الجزائر، لدرجة أنه جعل كل ملتقيات الفكر الإسلامي تتضمن في برامجها نقطة خاصة بالتاريخ، ففي ملتقى الجزائر كانت إحدى النقاط الأساسية في جدول أعماله «العيد الألفي للجزائر وللمدية ومليانة »، وأفتح القوس لأذكر لكم واقعة، وهو أن أحد الطلبة السعوديين المشاركين في الملتقى، قال: «إننا جئنا إلى هنا لنتكلم في الفكر الإسلامي، لا في التاريخ الجزائري »، فأجابه سي المولود وبحدته المعروفة: «فلتبق في بلادك، ابق هناك ولا تأتي للجزائر إذا كنت لا تريد أن تسمع شيئا عن تاريخ الجزائر، وجهاد الجزائر، واستماتة الجزائر، إن هذا الذي نتكلم عنه من صميم تاريخ الإسلام »، وفي ملتقى بجاية، نقطة خاصة بالموحدين، وفي تلمسان بالزيانيين، وقس على ذلك بقية الملتقيات، ولا عجب من ذلك فإن مولود قاسم، يعتبر التاريخ، بل والتراث كله من مقومات الأمة، ومن أسس هُويتها، فالتاريخ عند سي المولود، نقلا عن الفيلسوف الألماني )فيخته( كالكتاب المقدس، يجب أن يكتب ويقرأ بنفس التقديس والإجلال، لأن التاريخ هو مرآة الماضي، ومنه نستخلص التجارب، وهو الوسيلة الأنجع لغرس حب الوطن في قلوب الشباب، فهو الإسمنت الروحي، والإيديولوجي، والسياسي، لتقوية وحدة الأمة وتعزيز تماسكها وتوطيد أركانها.
وبعد أقل من سنة من توليه وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية، وتجسيدا لما يؤمن به، من أن التاريخ هو البداية وهو النهاية، وأنه بيت القصيد في كل نهضة ثقافية، وأنه الشهد الملكي فيها، ليس فقط للتعريف بالأجداد والأمجاد، وإنما كذاك لتعميق الوعي بالذات، والاعتزاز بالنفس، فقد نظم وأشرف بنفسه سنة 1971 ، على الاحتفالات المخلدة للذكرى المئوية لثورة المقراني والشيخ الحداد، ورفاقهما في صدوق، وفي مجانة، وقلعة ناث عباس، وبلدية مناصر في شرشال، وتجندت معه وسائل الإعلام، وكذلك كثير من كبار المسؤولين الذين كانوا يتنقلون معه، فجعل منها احتفالات جماهيرية شارك فيها الآلاف من المواطنين من مختلف أنحاء الوطن، ودامت لعدة أيام، وقد حوى المآثر، إحياء هذه الأمجاد، لضرورة قصوى، وخصوصا أن تاريخنا تعرض منذ حقب طويلة، منذ دخول الغزو الاستعماري للتشويه والمسخ، والدليل على النجاح الباهر، الذي حققته هذه الاحتفالات، أن جريدة لوموند Le
Monde نشرت مقالا حوى صفحة كاملة للمؤرخ الفرنسي Ch.R.Ageron تحت عنوان «الجزائر تحتفل بمرور قرن على ثورة .»1871 وفي الملتقى السادس للفكر الإسلامي الذي عقد في قصر الأمم، أُدرِجَت نقطة أساسية، أشرت إليها من قبل، وهي النقطة التي تتعلق بتاريخ الجزائر، وقد كانت أول محاضرة ألقيت للمؤرخ المصري الكبير الأستاذ عبد الله عنان، تحت عنوان «صفحات من عدوان الاستعمار على المغرب الكبير، وصفحات من جهاد الشعوب المغربية على رده »، وقد أثارت هذه المحاضرة نقاشا واسعا وحادا، في كثير من الأحيان، لأن المؤرخ الكبير جعل الأتراك مستعمرين للجزائر، ومن الذين ناقشوا المحاضرة سي المولود، ومما قاله الأستاذ عبد الله عنان، قال بأن الأتراك استعمروا الجزائر، ليس الأمر كذلك، وقد وضحه كثير من الإخوان هنا )من هؤلاء الإخوان، الشيخ أحمد حماني، عبد الرحمن الجيلالي ، الشاذلي المكي، الشيخ سليمان داوود بن يوسف، د.جمال قنان وآخرين( لأن الوضع في الجزائر، ليس كالوضع في المشرق العربي، الجزائر كانت معرضة للمد الصليبي، ولقد جاء الصليبيون بعد طرد المسلمين من الأندلس إلى الجزائر، واحتلوها من المرسى الكبير إلى القالة، ومكثوا في وهران ثلاثة قرون، وجاء عروج وأخوه خير الدين من مسلمي اليونان، ومَن بَعدهما، فطردوهم من الجزائر، ومن تونس، ومن طرابلس، وردوهم إلى المكان الذي أتوا منه، وأن الوجود العثماني لم يكن احتلالا، وأنه لولا الأتراك لأصبحنا ربما اليوم جزءا من إسبانيا ولولا عروج وخير الدين «اه ، ولنا في سبتة ومليلة أكبر دليل على ذلك.
إن ثراء الإسلام في تعدد الأصول، كردي، أمازيغي، عربي، تركي، فالباي محمد بن عثمان الكبير باي الغرب الذي حرر وهران نهائيا كردي، وخير الدين تركي، وصلاح الدين الأيوبي كردي، ويوسف بن تاشفين وعبد المؤمن ابن علي وطارق بن زياد أمازيغ، ومحمود الغزناوي أفغاني، وعقبة بن نافع وموسى بن نصير عربيان، هذا هو الإسلام، هذه الأفكار وهذه الآراء التي أفضى بها مولود قاسم، سواء في جلسات الملتقى أو في التصريحات التي أدلى بها لأجهزة الإعلام، لم تمر هكذا بسلام، بل تصدى لها كما يقول هو نفسه من تعلمون، أتباع العم جوليان، نبي التاريخ، أو إمام المؤرخين وقد قسّم مولود قاسم هؤلاء قسمين:
قسم منهم عن حسن نية، وقسم ثان سماهم القوم التُبَّع، فكانت معركة طاحنة، لعدة سنوات أنتجت لنا في النهاية، أحد أهم كتب مولود قاسم،
وهو كتابه ]شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل سنة 1830 [، في جزأين الأول منه صدره سي المولود بنص لابن باديس، كتبه تقريظا لكتاب أحمد توفيق المدني )هذه هي الجزائر(، فيقول: «…وهذا فس ما وقع بالجزائر من تشويه تاريخها وتصويرها في جميع عصورها خصوصا في العصر العثماني بأقبح الصور، في الكتب التي تدرس في المكاتب الفرنسية، وتدرس يا للبلية ويا للحسرة لأبنائها …بل إن من أبنائها من ينكر تاريخها جملة، ويزعم أن لا شخصية لها »، وأود أن أنبه بأن مولود قاسم وهو المناضل الملتزم والمتحمس لحزب الشعب، أصدر اثنين من أهم كتبه الأول هو الذي نحن بصدده، والثاني هو
كتاب )أصالية أم انفصالية( مما يدل على أن مولود قاسم يعلو فوق الأطر الحزبية الضيقة عندما تتعلق الأمور بالقضايا الوطنية، وأن ابن باديس هو المثل الأعلى، وهو الدليل، وهو القدوة.
وهذا الجزء الأول يتكون من مدخل ومقدمة، ثم استعراض شامل للعلاقات التي تربط الدولة الجزائرية والخلافة العثمانية، ثم وهذا هو الأهم، العلاقات بين الجزائر وكل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، ولن أتعرض لكل ذلك، وإنما سأذكر بعض رؤوس الأقلام للتدليل فقط.
في المدخل يذكر لماذا هذا الكتاب فيقول: «إن القصد من هذه الدراسة، هو إحكام الصلة، بين حلقات سلسلة تاريخ أمتنا الجزائرية العريقة، وإبراز ما كان لها من شخصية دولية متميزة، ووجود دولي بارز، وهيبة عالمية أطبقت الآفاق، لأن هناك من يحاول أن يطمس الشمس بالغربال، ويفصم على تاريخنا، ويمحو فصولا رائعة، من مسيرة أمتنا، وتمزيق صفحات ذهبية من تاريخنا، صفحات ثلاثة قرون من تاريخنا التّليد »، ثم يذكر أمثلة من هؤلاء المؤرخ الفرنسي
E.F.Gautier ، والعم جوليان Ch.A.Julien الذي جعلنا لقطاء كما يقول سي المولود، في افتتاحية كتابه «تاريخ إفريقيا الشمالية » في الفقرة الأولى من الصفحة الأولى: «إن إفريقيا الشمالية، ليس لها حالة مدنية مضبوطة، ومتيران، ودوغول، وإدغارفور، وموريس طوريز، أما المستشرق الألماني الكبير )كارل بروكلمان( فيقول وهو يتكلم عن سكان شمال إفريقية كما أورد ذلك سي المولود في كتاب » إنية وأصالة، ص »294 فهو يتكلم عنهم كعنصر، كجنس بشري، فلم يقل مثلا هذه البلدان أو هذه الشعوب بل قال هذا «العنصر »، هذه «الراسة » كما نقول بالدارجة عندما نستعملها بالمعنى القادح، قال: «فالمزايا العقلية لهذا الجنس ليست كبيرة في شيء، وأن الموهبة الإنتاجية حقا في المجال العقلي لتكاد تعوزه تماما »، وحتى حسنين هيكل الذي تفضل بكلام في سنة 1965 قال فيه: «إنها )أي الجزائر( لم تكن أبدا أمة في التاريخ ». أما علاقة الجزائر، بالخلافة العثمانية، فتتميز بطابعين:
1- طابع التعاون والمساعدة.
2- استقلالية الجزائر استقلالا تاما، وسيادتها سيادة كاملة.
فبينما كانت الدول الشقيقة، مثل العراق، ومصر، وتونس، وليبيا، لا تستطيع أن تعقد أي اتفاقية، إلا بترخيص كتابي من الباب العالي، كانت الجزائر تعلن الحرب، وتعقد السلم، وتجري المفاوضات، وتمضي المعاهدات، باسمها، واسمها فقط، أما علاقة الجزائر، بمختلف الدول الأوروبية، وأمريكا، فقد كانت علاقة دولة عظمى بدول أقل منها شأنا، وأضرب لكم مثلا لم يُسمع به، أولم يقرأه إلا القليل، هو أن الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن سعى لدى قيصرة روسيا كاترين الثانية، ليقنعها بضرورة انضمام روسيا، إلى الحلف الأوروبي الأمريكي ضد الجزائر، فلم يفلح في سعيه، فاضطر إلى القبول بشروط الجزائر فعقد المعاهدة مع الدّاي حسن، سنة 1791 ، وبشروط مرهقة لأمريكا، ثم معاهدة صلح وصداقة بين الدّاي بابا حسن والرئيس جورج واشنطن يوم 5 سبتمبر 1795 ، أمضيت في الجزائر وحررت بالعربية أصلا، وفي سنة 1814 أعلن الدّاي الحاج علي الحرب على أمريكا، لأن رئيسها جيمس مديسون أراد أن يدفع الضريبة التي تدفعها أمريكا إلى الجزائر سنويا بالدولار، لا بالسلاح، كما تنص معاهدة 1791 ، ولأن المعاهدة حررت بالعربية وفي الجزائر، واعتمدت التاريخ الهجري، فقد بدا للأمريكيين أن ذلك يكلفهم كثيرا، ومن شروط هذه المعاهدة أن تدفع الولايات المتحدة الأميركية مبالغ ضخمة للجزائر مقسمة كما يلي:
1- مبلغ لافتداء الأسرى الأميركيين.
2- وآخر لعقد معاهدة سلم.
3- وضريبة سنوية تدفع في شكل عتاد حربي وتجهيزات بحرية.
والجزء الثاني من الكتاب، خُصص الحيز الأكبر منه للعلاقات الجزائرية الفرنسية منذ 1518 ، عهد خير الدين، وسنجد نصوص أغلب تلك المعاهدات والتي بلغ عددها 63 معاهدة في الكتاب، وتعليقا على ذلك يقول سي المولود: «ابحثوا لدى جوليان أو غوتيي أو دوغول في كتاباتهم العديدة عن الجزائر خصوصا، هل تجدون ذكرا لمعاهدة واحدة من تلك السبعين )لا السبع ولا السبع عشرة بل السبعين( معاهدة، التي عقدت بين الجزائر وفرنسا قبل 5 يوليو 1830 .
نقبوا عند هؤلاء الثلاثة، هل يقرع آذانكم صدى تلك الإنجازات، الإنجازات العسكرية البحرية، التي أنقذت بها الجزائر فرنسا، أو تلك الإسعافات المالية والاقتصادية والإستراتيجية، بل وحتى بالمواد الغذائية، التي استخلصت بها الجزائر فرنسا، من براثن المجاعة، والمتربة، والبؤس، في عهد الثورة الفرنسية، ثم «نابليون بونابارت »، وقد بلغ عدد قناصلهم 61 ، الكثير منهم يحمل لقب مستشار الملك، وذلك بناء على وثائقهم كما يقول سي المولود، ومن سنة 1534 إلى سنة 1830 أرسل ملوك فرنسا، وقادة ثورتها وجمهوريتها الأولى، وإمبراطورها، وملكاها الأخيران إلى الجزائر، 96 مندوبا ومبعوثا خاصا، منهم أعلى من مستوى وزير، ومنهم شقيق نابليون الأول جيروم.
وأود أن أشير إلى نقطتين هامتين:
1- أن ملوك فرنسا يستهِلّون رسائلهم بهذه الصيغة: السيد الأمجد العظيم )) aIllustré et M
gnéfique Seigneur ( داي الجزائر، ويقول سي المولود: «بل إن لويس السادس عشر، وقادة الثورة يضيفون إلى تلك الصيغة إضافتين تستحقان الذكر، وهما:
– إلى سيدي حسن الصديق الحليف القديم للأمة الفرنسية ) Ancien Ami et Allié de La Nation
Française ( فيقدمونها على صيغة السيد الأمجد الأعظم.
2- إطلاق اسم الجمهورية، على الدولة الجزائرية، في كثير من الأحيان، كما نجد ذلك في عدة رسائل للويس الرابع عشر، منها رسالة، إلى الدّاي الجديد، حسين خوجة، يهنئه فيها بتوليه رئاسة الجمهورية، ونجد أحيانا أخرى، إطلاق اسم مملكة الجزائر،والحديث طويل ولا ينتهي.
وقبل أن أنهي هذه المحاضرة، أود أن أتحفكم بجلسة فريدة، وممتعة، ودائما في إطار نقد التاريخ من مولود قاسم، هذه الجلسة بطلاها مولود قاسم والشيخ أحمد حماني، بين الوزير، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، فهما يعرفان بعضهما بعضا معرفة جيدة، ويعملان معا، ولكن مع كل ذلك، فإن كلتا الشخصيتين لها آراؤها، ولها ركائزها الفكرية.
وقائعها: وقعت في الملتقى التاسع للفكر الإسلامي في تلمسان.
وموضوعها: هل يجوز أن ننتقد شخصياتنا الوطنية، وزعمائنا التاريخيين؟ وأن نذكر الحقائق كما هي؟
فالشيخ أحمد حماني لا يسمح بذلك ولا يسوغها، ومولود قاسم يرى عكس ذلك، فهؤلاء ما هم إلا بشر، يجتهدون فيصيبون ويخطئون، وأساس
ذلك أن سي المولود، انتقد الأمير عبد القادر، وقال إن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الأمير عبد القادر، وهو الخطأ الفاصل في انهزامه وتسليم سلاحه سنة 1847 ، هو اتخاذه للجاسوس الفرنسي والوزير المفوض، في وزارة الخارجية الفرنسية آنذاك )ليون روش( أمين سره، وجعله كأنه أحد أفراد أسرته، وزوجه ببنت وزير الحربية في الجزائر من قبل، فتمكن من الإطلاع على جميع الأسرار، ثم فر إلى جيش بيجو، واستصدر فتاوى من علماء مصر وتونس والمغرب، بأن مقاومة فرنسا انتحار، هذا الانتقاد، لم يرق لشيخنا، ولم يستسغه، فقام ورد مستنكرا، وقال: «إننا نسفه أجدادنا »، فرد عليه سي المولود وقال: «نحن نعتز
بالأمير كل الاعتزاز، والأمة الإسلامية في مجملها تحتاج إلى شخصيات بارزة مثله لتتكئ عليها، ولكنها مرت بظروف صعبة فارتكبت أخطاء، قد نتفهم وضعهم فيها، لكن لابد أن نسجلها، وليس معنى هذا تسفيه أعمالهم، أو أنهم خونة، وإنما نذكر الجوانب الإيجابية والجوانب السلبية إلى جانب ذلك، وابن باديس ارتكب خطأ ظرفيا لا يقل عن خطإ الأمير عبد القادر، ابن باديس الذي حارب الطرقية والدروشة، التي كانت العماد الأول للاستدمار، وحارب البدع والخرافات، بطريقة أسرع وأنجع من أسلافه المصلحين كمحمد عبده وغيره، لكنه ارتكب خطأ معروفا، هو ذلك المتمثل في قوله «دولتنا فرنسا »
ولكنه سرعان ما صرح بأن الأمة الجزائرية، ليست فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولو أرادت هذا للتاريخ يا أستاذ حماني، للتاريخ ذكرنا مصالي، وقلنا إنه ارتكب من الفضائع ما ارتكب، ولكن لا ننسى أيضا أن مصالي أول من نادى بالاستقلال للجزائر، في العصر الحديث، مصالي ارتكب خطأه في الأخير، وابن باديس ارتكبه في الأول، ونرجو من الله، أن لا تحسب علينا، وعليك، وعلى جميعنا يا أستاذ حماني في الأول وفي الأخير، وفيما بينهما، وأن يضمن لنا على
الأقل حسن الخاتمة.
ألا ترون معي أنها جلسة ممتعة.
والسلام عليكم ورحمة الله
* محاضرة ألقيت في المجلس الإسلامي الأعلى
في 30 / 09 / 2012 .
موقع جريدة البصائرالاثنين 20 – 26 ذو الحجة 1433 هـ /05 – 11 نوفمبر 2012 العدد: 625