أمة الفرقان، وآية اليابان
أمتنا، هذه الأمة الإسلامية التي تعيش في كنف القرآن، فتتلو قول الله تعالى:{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ}(سورة الأنفال الآية 60).
وقوله تعالى:{لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(سورة الأنفال الآية 63).
هذه الأمة التي تحفظ من الأحاديث النبوية قوله عليه الصلاة والسلام: “بورك لأمتي في بكورها”.
إن هذه الأمة الإسلامية، قد لا ينطبق عليها من الأحكام القرآنية إلا قوله تعالى:{وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}(سورة يوسف الآية 105).
ذلك أن القوة المادية والمعنوية التي دعا الإسلام المسلمين إليها، لم يتحقق في المسلمين إلا ضدها.
فالمسلمون، اليوم هم أكثر الناس فرقة، وأشد الناس عداوة لبعضهم البعض، بل أكثر من ذلك هم يقتل بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، ويكفّر بعضهم بعضا، وما ذلك من الإسلام في شيء.
إنها دماء ودموع، وقتل وسجن في سوريا، وليبيا والعراق ومقاومة للتغيير، في تونس ومصر- وهي نماذج من حالات كثيرة.
فلا تزال الفوضى الاجتماعية، والثقافية والاقتصادية والسياسية، هي التي تطبع حياتنا المجتمعية في أفراحنا وفي أتراحنا، ولا نزال نرتبك في أعيادنا وجنائزنا، فنخلط بين العادات والتقاليد، وبين الأحكام والتعاليم، وبذلك نقدم صورة قبيحة عن الإسلام النقي الصافي، وعن الإنسان المسلم الذي لا يمكن أن يكون إلا منضبطا، ومنظما ونظيفا في شكله ومضمونه.
ونلتفت من حولنا، وما يحيط بأمة القرآن في هذا الكون، فتتراءى لنا آيات إنسانية، لم تستمد من القرآن وكأنها القرآن. نلتفت فنجد آية النماء في اليابان، وآية البناء في الألمان، ونتساءل، كما تساءل قبل أحد الدعاة المسلمين، وهو أن في صورة اليابان والألمان، آيات إنسانية من سورة الرحمن والفرقان.
فهذان النموذجان في آسيا وأوروبا، يمتازان بدقة العمل وديمومته، وهي آية حث القرآن في كل سورة عليها ولكن جهلها أهل القرآن، وعمل بها أهل اليابان والألمان. وفي هذين البلدين، استغلال للزمن من البكور إلى الغروب، أي طرفي النهار وزلفى من الليل، في حين لم يبارك الله في عدم بكور المسلمين، وعدم الدقة في أداء العمل وفي عدم الوفاء لأداء الأمانة.
وصدق الشيخ محمد عبده حينما قال: ذهبت إلى الغرب فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، وجئت إلى الشرق فوجدت المسلمين، ولم أجد الإسلام.
فيا ليت شعري متى يعي المسلمون ما عندهم وما عند غيرهم، فعندهم كنوز ولآلئ من القيم الإنسانية أهدرها أهل القرآن، على ضريح الجهل، والتخلف؟ متى يدرك المسلمون أن عدوهم الأول هو التخلف، وأن سبب وجود هذا العدو هو بعدهم عن القرآن الذي يدعو إلى مكافحة التخلف، بالقراءة والعلم، وفقه الدين؟
وعلى العكس من ذلك نجد دولا إحدى آسيوية وأوروبية، قد أخذت من الإسلام مبادئ التقدم فعملت بها، فتقدمت، وتلك هي المعادلة الحضارية الصعب تفكيكها على العقل الإنساني، فأمة التقدم الحضاري تتقهقر تحت ضربات مختلفة، وأمة التخلف الحضاري تتقدم بفضل عوامل إنسانية عقلية مختلفة.
واليوم، ودعوات الملايين في عرفات تتعالى إلى السماء، وابتهالات المسلمين تترى من منابر المساجد، ومآذن الصومعات، وثغاء الأنعام يملأ الأرجاء والفضاءات في عيد التضحيات، هل نستعيد وعينا المفقود، فنعود إلى ذاتنا المليئة بالقيم الإنسانية السمحاء، ونبتعد عن قيم التبعية والتقليد العرجاء؟
إننا نقول ما قال إمامنا محمد البشير الإبراهيمي: “عامكم سعيد إذا أردتم ومبارك إذا عزمتم، فاخرجوا من ظلام الجهل والجاهلية، إلى نور العلم والحضارة الإسلامية الإنسانية، تسعد أحوالكم، وتستقم أعمالكم، ويصلح الله شأنكم، وتذكروا من كنوزكم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.