ان علاقة الشيخ الغزالي بالجزائر ليست وليدة الثمانينيات، وإنما تعود إلى ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي من خلال مزاملته العلامة الشيخ الفضيل الورتلاني – رحمه الله – في جامعة الأزهر، ومن خلال تتلمذه على محاضرات العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي التي كان يلقيها في مركز الإخوان المسلمين، ومركز الشبان المسلمين، وقد ذكر أي الشيخ الغزالي، أن العلامة محمد البشير الإبراهيمي قد جمع بين دقة الفقيه، وحماس الداعية، وأنه نموذج للعالم الديني الناجح، وقد تعرف الشيخ الغزالي من خلالهما على الإمام ابن باديس وجهوده الإصلاحية، وفكره التنويري، وفهمه الوسطي للدين، ومنذ تلك الفترة وهو يحمل للشيخ ابن باديس كل آيات التقدير، ويضعه في مصاف كبار العلماء والمجددين الذين عرفهم العالم الإسلامي في القرن الأخير.
ومع اندلاع الثورة التحريرية المباركة، قام الشيخ الغزالي بكتابة عديد المقالات، وإلقاء الخطب في التعريف بالقضية، وحشد الدعم المادي والمعنوي لها، وكتابه (الاستعمار أحقاد وأطماع) خير دليل على هذا الذي نقوله.
وبعد استرجاع الجزائر استقلالها ونيلها سيادتها، زارها الشيخ الغزالي في عديد المرات من خلال ملتقيات الفكر الإسلامي، فقدم عدّة بحوث عميقة كشفت أسرار التشريع الإسلامي، وواجهت المسلمين بعللهم النفسية الاجتماعية ووجوب علاجها بعلاج الدين ومن صيدلية الإسلام دون اللجوء إلى المذاهب الهدامة والأفكار المستوردة، فكوّن له جمهورا عريضا من طلبة الجامعات على وجه الخصوص، كانوا يقبلون على كتبه بشغف كبير، وكان (الشيخ) نجمهم المفضل في الملتقيات، وكثيرا ما كانوا يضغطون على إدارة الملتقيات لتعديل البرنامج لإفساح المجال الأكبر للشيخ للمحاضرة أو التعقيب.
وعليه فقدوم الشيخ الغزالي إلى الجزائر، كان قدرا لطيفا، مدّخرا للجزائر وشعبها
أتى الخلافة أو جاءته منقادة
كما أتى ربه موسى على قدر
فالشيخ كان صدر في حقّه قرارا بالتوقيف وإحالته على المحاكمة وقد اتصلت ابنته به وهو في الملتقى الفكري الإسلامي، ننصحه بعدم الدخول إلى مصر في تلك الفترة، ونخبره بأن اسمه موجود في شرطة المطارات، وأنه سيوقف فورا إن دخل تراب الجمهورية المصرية.
وجمهور الشيخ الغزالي ومحبيه، وعموم الشعب الجزائري يتحرقون شوقا إلى أن يستقر الشيخ الغزالي بينهم، ليستفيدوا من علمه الواسع، وطريقته الواضحة في البحث والمناظرة، ورؤيته إلى كيفية تجاوز مرحلة الركود الحضاري التي تعيشها الأمة الإسلامية.
والقيادة السياسية في البلاد عازمة على فتح الجامعة الإسلامية، (جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية)، ولكن من هو العالم الجليل الذي تأتمنه على رسم معالم توجه الجامعة مستقبلا، ونوع الإسلام الذي سيخرج الطلاب وهم يحملونه في عقولهم، وسلوكهم، لأنه مع الأسف الشديد ان الإسلام تتقاسمه مدارس واتجاهات وتوجهات متباينة.
وكان من لطف الأقدار بالجزائر، أن يقع الاختيار على الشيخ الغزالي – رحمه الله – وهذه منقبة تُحسب للرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد – رحمه الله – لأن الفضل في هذا الأمر يعود إليه بعد الله سبحانه وتعالى، فلو لم يوافق لما تم الأمر، ولكن وللحقيقة والتاريخ كما حدثنا بعض شيوخنا الذين كانت لهم يد طولى في اقتراح اسم الشيخ الغزالي على الرئيس، وفي اقناع الشيخ الغزالي بالمجيئ، أن الرئيس لم يكن موافقا فقط، بل كان متحمسا شديد الحماس للأمر، بذل جهودا مضنية في تذليل الصعوبات التي كانت تعترض تحقيق المسألة.
وتحققت إرادة الله، ونفذ أمره، فسبحانه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، وفتحت الجامعة الإسلامية، وأسندت رئاسة مجلسها العلمي إلى الشيخ الغزالي، الذي كان معجبا بهذا التوجه في الدولة الجزائرية، وهذا الوفاء منها لانتمائها العربي الإسلامي، وهو يرى بأم عينيه كيف حوّل الاستبداد والتغريب الجامعات الإسلامية العريقة كالأزهر، والزيتونة إلى هياكل بلا روح، و يعمل جاهدا على تهميشها، في حين أن الجزائر تتجه إلى بناء هذا الصرح العظيم والمنارة الهادية لربط الأجيال بدينها، فقال الشيخ الغزالي عليه رحمة الله، إن الذي ألهم إبراهيم رشده، هو الذي ألهم الرئيس لفتح الجامعة الإسلامية، وكان يقول كذلك: إن هذه الجامعة هي حُجة الرئيس بين يدي الله يوم القيامة…..
يـتبع
ional>�bc�h��si-font-family:”Traditional Arabic”; mso-bidi-language:AR-DZ’>هناك في مجتمعاتنا من يعبث بكل شيء، و في بعض فترات الفتن وصل التفنن في العبث إلى قتل البشر من غير سبب، و إلى التمثيل بجثثهم تنفيسا عن أحقاد ما كان الأسوياء يبلغ دركها عاقل، فضلا عن مسلم يصلي لله خمي مرات في اليوم، نم نرمي الآخرين بتشويه سمعتنا و الإساءة إلى ديننا، في الوقت الذي وصلت فيه مواطآتهم إلى حد إنشاء جمعيات للرفق بالحيوان، و أُخبرت أن بعض الكلاب دُرِّبت على احترام إشارات المرور ! و نحن هنا نتكلم عن المجتمعات المدنية، التي ليست لها مصالح الحكام و لا مخططاتهم، و قد عُرفت بمواقفها الإنسانية، و لسنا نتكلم عن السلطات الحاكمة في الغرب، حتى لا يسارع البعض إلى معزوفة التآمر، التي بتنا نشهرها في وجه كل من يذكر الغرب بمحاسن، أو إلى مقولة أنّ الذي يرفق بالحيوان هو الذي يرسل على المستضعفين طائراته تدكهم دكا.
الحديث لا ينهى فيه النبي صلى الله عليه و سلم عن العبث بقتل العصفور فحسب، بل يذهب في استبشاع الفعل و التنفير منه إلى حد أن يجأر العصفور لربه يوم القيامة بالشكوى، من عابث لم يقدر النعمة قدرها.
إن الدين الذي يحذر أتباعه من الشجر أن يُقطع و لو في الحرب، و من الحيوان أن يقتل من دون سبب-إلا لإشباع رغبة دنيئة أو شغل فراغ-: يصعب تصديق أن يصل منتسب إليه إلى قتل نفس بغير حق، إلا بمبرر قوي أو تأويل سائغ، فما بال طوائف هذه الأمة تتغنى بالجهاد ضد الكفار شرعة في كل حال، تبيح لنفسها-حين لا تقوى عليه ضد الكافر الذي لا خلاف حول كفره-أن ترتدّ “بعبثها الجهادي” إلى المسلمين، و ألا تكتفي بذلك حتى “تزينه” بالتمثيل بالجثث، في مفارقة عجيبة من مفارقات الفتن: أن يدركنا زمن نرى فيه مثل هذه البشاعات، و الدين الذي نتبجح بالانتماء إليه يحرم كل إساءة عابثة، و لو كانت باتجاه دابة لا تعي و لا تعقل؟!