في ضيافة رئيس الجمهورية.! /أ.كمال أبوسنة
رنَّ هاتفي المحمول فأجبت فإذا المتصل مدير مكتب رئيس الجمهورية، يخبرني أن السيد رئيس الجمهورية يدعوني-أنا المواطن البسيط- لزيارته وارتشاف فنجان قهوة في مكتبه بالمرادية بعد صلاة العشاء…وقبل أن يسمع المتصل ردي تابع قائلا: “إن سيارة الرئاسة ستقلك إلى قصر المرادية قبل الموعد المضروب بربع ساعة من مقر جمعية العلماء، فكن في الانتظار”، ثم أقفل سماعة الهاتف..!
جلست على كرسي مكتبي مشدوها وعلامات الاستفهام كثيرة تحوم في ذهني، بيد أنني سلمت أمري لله، عز وجل، وقلت في نفسي: “إنني أقابل الله سبحانه وتعالى خمس مرات في اليوم في صلاتي وفي غيرها من النوافل دون أن أخشى مقابلته، فكيف أرهب مقابلة رئيس الجمهورية وهو واحد من عباد الله، وأب لجميع الجزائريين، وما يميزه عن غيره أنه أثقلهم حملا”!
وفي الوقت المعلوم جاءت السيارة الرئاسية فأقلتني إلى القضاء المحتوم، فوجدت مدير مكتب الرئيس في استقبالي، وبعد التحية، وبدون مقدمات، أدخلني مكتب الرئيس وقال لي: “يجب أن لا تتجاوز المقابلة أكثر من نصف الساعة لأن الرئيس مشغول، فهو مرتبط بمواعيد أخرى”.!
دخلت المكتب فوجدتُ السيد الرئيس جالسا يراجع بعض الأوراق وأمامه مجموعة كثيرة من الملفات كبيرة الحجم، فحييته بتحية الإسلام، فرد التحية بأحسن منها ثم أمرني بالجلوس، وبعد مقدمات الضيافة، بادرني الرئيس قائلا: “أدرك جيدا أنك مندهش لدعوتي هذه، وحتى أزيلها عنك أخبرك أنني قررتُ عقد جلسة استماع مباشرة بيني وبين مواطن عادي دون أن يحول بيننا حجاب، واقترحتُ أن يكون الاختيار بالقرعة عن طريق الكومبيوتر فاختارك من بين المواطنين الجزائريين، فقل ما تشاء فأنا أسمع”.
بعد أن حلبت ريقي، ومسحت العرق عن جبيني، قلتُ للسيد الرئيس: “سيدي أطال الله عمرك، وقر عينك، وأتم نعمته عليك، وشكر لك هذه المبادرة الحسنة، أستسمحك وأستسمح أبناء وطني الذين سأخاطبُك بلسانهم، وسأختصر أشد الاختصار حتى لا آخذ من وقتك الكثير…سيدي الرئيس، إننا نطمح إلى أن نحيا ذلك اليوم الذي نختار فيه بكل حرية من يقودنا ويتحمل مسؤولية إدارة البلد وفق المنهاج السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يرتضيه أكثر أفراد هذا الشعب المتمسك بثوابته وقيمه وأصالته وتراثه، وقد اختصر إمامنا الشيخ عبد الحميد بن باديس -رحمه الله- معالم هذا المنهاج في شعاره المشهور: “الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا”…سيدي الرئيس، لقد فتح الله على الجزائر في عهدكم بالمال الوفير من مداخيل البترول الذي سينفذ، ونأمل أن لا يبقى المصدر الوحيد المعتمد لملء الخزينة العمومية، ولكن رغم هذه البحبوحة المالية مازال في الجزائر الحبيبة الكثير من المستضعفين الذين يعانون من ضيق المساكن أو انعدامها أو الآيلة للسقوط، وغلاء الأسعار التي تزداد ارتفاعا يوما بعد يوم حتى أصبح بعض الجزائريين يلتقطون طعامهم من المزابل، والبطالة التي جعلت معظم الشباب يفكرون في الهجرة السرية فابتلع البحر بعضهم، وتأخر سن الزواج لدى الرجال والنساء على حد سواء، وانتشر التحلل والرذيلة والفساد الأخلاقي، وعم البلاء بسبب الخمور والمخدرات، وأصبحت الرشوة العملة الرابحة التي يتعامل بها كثير من الموظفين الرسميين الذين حُمِّلُوا أمانة خدمة الشعب فاستخدموه واستعبدوه، واستغلوا سلطاتهم من غير وجه حق ليزدادوا غنى ورفاهية…سيدي الرئيس، إن المواطن العادي يتوق إلى العدالة والمساواة والحرية..وقد آن للشباب أن يحملوا الراية لتحقيق الهدف المنشود الذي استشهد من أجله أكثر من مليون ونصف شهيد وهو (إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية)…”.
لقد كان الرئيس يستمع إلي باهتمام، وابتسامة الرضا تنير محياه، وقد شجعني ذلك على المضي في الكلام، وبينما كنتُ أهيئ نفسي للمزيد إذا بزوجتي تهزني هزا وتوقظني من نومي منهية مجرى حلمي، ومعلنة أن آذان الفجر قد رُفع، فاستمعتُ إلى المؤذن وهو يقول: “الله أكبر، الله أكبر..” فقمتُ من فراشي مسرعا لأتوضأ وأنا أردد مع المؤذن: “الله أكبر، الله أكبر”..!